حادثتا اختطاف العمال الصينيين في السودان ومصر وما رافقتهما من تداعيات تراجيدية، سلَّطت الضوء على الواقع والمخاطر التي تواجه الصين التي باتت تتوسع بوتائر متلاحقة في العقدين الأخيرين في استثماراتها بالقارة الأفريقية وسط انتقادات وأشواك كثيفة من الدول الغربية غير الراغبة في الوجود الصيني في أفريقيا. وعلى الرغم من أن حادثة اختطاف 29 صينياً في جنوب كردفان مرت بسلام بعد إطلاق سراحهم ولم تخلف آثاراً سالبة من جهة العلاقات السياسية والاقتصادية المتميزة بين الخرطوموبكين، لكنها في الوقت نفسه، بجانب حادثة مماثلة في مصر. صدمة صينية الحادثة وضعت التنين الصيني في دائرة الضوء من جديد، وفتحت الأبواب مشرعة للنقاش حول مستقبل الاستثمارات الصينية في مجاهل أفريقيا التي تنتشر فيها الشركات الصينية التي تعمل في مناطق تشتعل فيها الصراعات أحياناً كثيرة، مما يجعل العمال الصينيين عرضة للاختطاف أو الإصابة بالأذى. ؛؛؛ الشركات الصينية تعمل في مناطق تشتعل فيها الصراعات أحياناً كثيرة، مما يجعل العمال الصينيين عرضة للاختطاف أو الإصابة بالأذى ؛؛؛ وهو ما سعت الحكومة الصينية لتفادي حدوثه منذ أن قررت التوغل اقتصادياً في مجاهل القارة الأفريقية بحثاً عن النفط وفتح أسواق لمنتجاتها، وذلك من خلال دبلوماسية تقوم على أساس عدم التدخل في الشؤون والشجون الداخلية للبلدان التي تستمثر بها بكين. مما وضعها دوماً في عين عاصفة الانتقادات الغربية كونها تسهم في إطالة آماد زعماء وحكومات تصنف عند الدول الغربية بأنها مارقة عن النهج الديمقراطي ومنتهكة لحقوق الإنسان. الشعب الصيني هو الآخر شعر بصدمة كبيرة إزاء الحادثتين "اختطاف 29 في السودان و25 في مصر" اللتين وقعتا أخيراً. وعبرت وسائل الإعلام الصينية بأن ليس للمواطنين الصينيين العاملين في الخارج أية علاقة بالنزاعات السياسية الداخلية، ويجب ألا يصبحوا ضحايا لنزاعات ليس لهم علاقة بها. التصعيد في العمليات أثار مخاوف واسعة النطاق بشأن سلامة العاملين الصينيين في الخارج، خصوصاً بعد أن تكررت حوادث شبيهة في مواقع مختلفة في أفريقيا. اختطاف للفدية وذهب المحللون إلى أن الاستهداف للعمال الصينيين لا يقتصر فقط على رغبة الحركات التي تختطفهم إلى لفت انتباه العالم لمطالبها السياسية أو الحصول على فدية لإطلاق سراحهم وحسب، بل إن الأمر يتعلق بموقع الصين كقوة دولية جديدة. وذكر موقع "بلومبيرج" العالمي أن اختطاف الصينيين في مصر والسودان إشارة إلى قوة الصين الاقتصادية وتوسعها في الخارج بإرسال المزيد من مواطنيها للعمل في مشاريع البنية التحتية في أماكن كثيرة خطيرة من العالم، يجعلهم عرضة للخطر، بسبب ضعف الصين عسكرياً. وقالت صحيفة "جلوبال تايمز" إن "الصين ليست قوية بما فيه الكفاية لتوفر الحماية لكل مواطنيها المنتشرين في جميع أنحاء العالم". وأكد الباحث في معهد الدراسات حول الصين في بروكسل، جوناثان هولسلاغ، في مذكرة نشرت بعد خطف 29 عاملاً صينياً في السودان - بحسب وكالة أنباء الصين - أن "في أفريقيا بشكل خاص، يترافق تزايد النشاط الاقتصادي الصيني مع تزايد انعدام الأمن، وقال هولسلاغ إن في أفريقيا "عصابات مسلحة باتت تعتبر العمال الصينيين أهدافاً سهلة لطلب الفدية". ؛؛؛ النشاط الاقتصادي الصيني المتزايد أغرى العصابات المسلحة وباتت تعتبر العمال الصينيين أهدافاً سهلة لطلب الفدية مع إبراز قوتها وتسليط الإعلام عليها ؛؛؛ ومع اختلاف الدوافع والأسباب التي تجعل من العمال الصينيين هدفاً للاختطاف، فإن الظاهرة آخذة في التوسع، بجانب تعرضهم لهجمات دامية خلال السنوات الأخيرة في السودان وأثيوبيا وكينيا ونيجيريا وتشاد والكونغو، والحبل على الجرار. ومع الإدانات الدولية التي تترى عقب كل عملية اختطاف أو هجوم والتأكيد على أن ذلك عمل غير أخلاقي، تحتاج الصين إلى جهود أكثر فاعلية لضمان سلامة مواطنيها واستثماراتها في القارة الأفريقية لأن معادلة الجزاء من جنس العمل يبدو أنها لا تعمل كثيراً في أفريقيا. الصين الرسمية تقول إن شركاتها وعمالها في أفريقيا ليسوا جنوداً أو جواسيس يقومون بعمل سياسي حتى يكونوا محل استهداف، وإنما الشركات الصينية قدمت ولا تزال إسهامات إيجابية لتنمية الدول الأفريقية اقتصادياً واجتماعياً، مما عاد بالنفع على شعوبها في السنوات الأخيرة. آليات للحماية ويرى محللون بأن الخروج من متاهة مجاهل أفريقيا لا يكون بانسحاب التنين الصيني من القارة وترك المجال للولايات المتحدة وأوروبا التي دخلت في تنافس محموم مع الصين من أجل الظفر بالفرص الاستثمارية الواعدة في أفريقيا، وفي الوقت نفسه لا يعني الخروج من المتاهة أن تحدث الصين قطيعة كاملة مع نهجها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، بل المطلوب هو تدخل أكثر وبصورة حيادية وتشجيع الأطراف المتحاربة على الحوار. ؛؛؛ الصين رغم التزامها بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أيضاً يجب عليها أن لا تدخر جهداً من أجل حفظ سلامة مواطنيها في الخارج ؛؛؛ ومع التزام الصين سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فإنه يجب عليها أن لا تدخر جهداً من أجل حفظ سلامة مواطنيها في الخارج، من خلال تحسين آليات الطوارئ في السفارات والقنصليات الصينية بالخارج، ووضع آليات أخرى تسهر على أمن وسلامة الشركات والعمال الصينيين في المناطق الخطرة، حيث تعتبر الصين أكثر الدول الكبرى التي لديها مواطنون في المناطق المتخلفة والمضطربة، لذا يعد توفير الحماية لهم أكثر التحديات التي تواجه الأمن القومي الصيني. وقالت صحيفة "الشعب" اليومية الصينية في إحدى افتتاحياتها إن الصين ليست دولة إمبريالية، و"خروج" الصين إلى العالم لن يكون للاحتلال أو النهب، لكن اهتمام الحكومة والمجتمع الصينيين بسلامة وأمن المواطنين الصينيين بالخارج يجب أن يواكب واقع الدولة العصرية، ويجب أن يكون الثمن البشري الذي تدفعه الصين خلال نهضتها هو الأدنى، وهذا أمر ضروري علينا فعله.