شكّلت مشاركة السودان في اجتماع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع قادة اللجنة الرباعية لمبادرة "إيقاد" لتسوية أزمة جنوب السودان، الذي انعقد على هامش زيارته للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تطورًا مهمًا في ملف العلاقات المتوترة بين الخرطوموواشنطن على الرغم من أن طبيعة الاجتماع تعكس أولويات أجندة السياسة الأمريكية بشأن مسألة جنوب السودان بأكثر من عنايتها بأجندة العلاقات الثنائيّة بين البلدين المتخمة بالقضايا العالقة. المهم في هذا التطوّر هو الاعتراف الأمريكي بأهمية دور السودان في جهود تسوية الحرب الأهلية المستعرة في جنوب السودان، لا سيما في ظل تعثر جهود"إيقاد" السلمية التي لا تزال تراوح مكانها بعد أربعة أعوام من اندلاع الأزمة الجنوبية وتعدّد جولات التفاوض، والانهيار المتتالي لمحاولات إنهاء الأزمة سواء بسبب تعنت الفرقاء الجنوبيين، أو بسبب صراع وتنافس أجندة القوى الإقليمية بما في ذلك بعض الدول المشاركة في وساطة "إيقاد" كما يتجلى الدور اليوغندي الداعم للرئيس سلفا كير بتدخل عسكري مباشر، واتهام جوبا للخرطوم بدعم منافسه رياك مشار. تزايد قناعة واشنطن بأهمية وجود دور سوداني محوري في معالجة الأزمة الجنوب سودانية لم يظهر الآن فقط مع اجتماع أوباما بوسطاء "إيقاد" بل بدأ يتبلور منذ فترة، ولم يفرضه فقط فشل الوساطة الإقليمية لاحتواء النزاع الدموي في الدولة الأحدث في العالم، بل اقتضته كذلك مبرّرات موضوعيّة ليس أقلها أن السودان، البلد الأم، لا يحتفظ فقط بعلاقات حيوية متداخلة ومتشابكة مع الدولة الوليدة فحسب، بل أيضًا يتمتع من واقع رصيد الخبرة التاريخية والمعرفة بطبائع الصراع وتعقيداته السياسية والاجتماعية وتواصلها الوثيق مع قوى فاعلة في الساحة الجنوبية يمكن توظيفها لصالح التسوية، وهي حسابات اضطرت واشنطن إلى تجاوز حقيقة واقع العلاقات المتردية مع الخرطوم في النظر بموضوعية إلى الاستفادة من دور سوداني محتمل في إطفاء حريق الجنوب السوداني. ولعلّ قناعة واشنطن بحيوية الدور السوداني في المسألة الجنوبية واكتشافها حاجته له اضطرت له في ظل إحساسها بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع سريعًا في دولة طالما عملت بكل قوة على تأمين حصولها على الاستقلال دون قراءة فاحصة لتعقيدات الواقع وتطوّرات الصراع المحتملة، وبلا رصيد من وعي بخطورة اللجوء إلى تشجيع تقسيم السودان كحل سهل لمعالجة أعراض الأزمة الوطنية السودانية، وكانت النتيجة بدلاً من حدوث انفصال بسلام ينشئ دولتين في "سلام مع بعضهما ومع جيرانها" كما كانت تأمل إستراتيجية أوباما التي أعلنها في العام 2010 في شأن سياسته تجاه السودان، أن قادت النتيجة إلى ميلاد دولتين تواجهان الفشل، أعادتا إنتاج الصراع المسلح في كليهما، وظلتا في نزاع مع بعضهما. بيد أن هذا التطوّر في التفكير السياسي الأمريكي تجاه رؤيتها لدور ما للحكومة السودانية بقي محدودًا ومحصورًا بخدمة أجندة واشنطن بالطبع في شأن أولوية البحث عن مخرج لمأزق الحرب الأهلية في الجنوب، ولم يتطور باتجاه مراجعة مجمل العلاقات المتوترة بين البلدين على مدار ربع القرن الماضي، ولعل الإدارة الأمريكية مدفوعة برصيد تجربتها مع "نظام الإنقاذ" فقد تعودت على الحصول على ما تريد من الخرطوم دون أن تجد هناك ما يضطرها إلى تقديم مقابل وتراهن على أنه لا يزال بوسعها أن تواصل اللعبة نفسها، توظيف الحكومة السودانية في خدمة أجندتها دون أن تتحمل عناء دفع أي ثمن، لا سيما في ظل حرص الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع واشنطن وبذلها العديد من المساعي والتنازلات في هذا الصدد. لم تكن مشاركة وزير الخارجية إبراهيم غندور في اجتماع أوباما مع قادة "إيقاد" بديلاً عن الرئيس عمر البشير، استثناءً في هذا الخصوص، وهي بالطبع ليست المرة الأولى التي يحدث فيها اجتماع أوباما بمسؤولين سودانيين رفيعين ضمن لقاءات أوسع، فقد سبق إلى ذلك اجتماعه مع نائبي الرئيس السابقين سلفا كير وعلي عثمان محمد طه في نيويورك في سبتمبر 2010 قبل أشهر قليلة من الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان، في اجتماع دولي كان القصد منه تأمين قيام الاستفتاء وتمهيد الطريق لانفصال جنوب السودان. المصدر: الراية القطرية 2/8/2015م