ظاهرة التطرف والغلو في (التدين) التي ظهرت في الآونة الأخيرة بالسودان، أثارت بعض الهلع وسط المجتمع السوداني وخاصة بين الأسر، ربما الهدف منها تشويه صورة الاسلام عالمياً ومحلياً، فالسودان الذي عرف بتدينه (المعتدل)، لم يكن يوماً محط أنظار الآخرين للجنوح للتطرف الديني. بيد أن هذه الظاهرة بدأت تظهر على السطح، حينما جاءت حكومة الإنقاذ على سدة الحكم التي جعلت الشريعة منهجاً لها، وقد باءت محاولات كثيرة لإسقاطها، ولما ظلت تترسخ ويتعمق حكمها، بدأت تنسج مؤامرات أخرى علها تقللمن قبضتها، لتصور منهجها الذي انتهجته بأنه إرهابي، فكانت جماعة التكفير التي طفقت تمارس القتل (الإجرامي) وسط المصلين، والجميع يذكر حادثة مسجد الجرافة ومجموعة الخليفي. ومجموعة أخرى استهدفت الأضرحة، ايضا اشاعت الذكر والهلع وسط الناس، وبعضها استهدفت مساجد انصار السنة، كما حدث بمسجد عثمان أبوزيد. وتبعتها حوادث مماثلة بمساجد أخرى، حتى تسلل الخوف بل الذعر لنفوس الكثيرين وهجروا الصلاة في المساجد، وهي ظاهرة تحمل في مضمونها أن الشريعة التي جعلتها حكومة الإنقاذ منهجاً لها، قد فرخت إرهابيين يعتدون على الناس وإن كانوا يؤدون فريضة الصلاة. وتبعت ذلك أحداث متلاحقة جعلت تهمة الإرهاب تلاحق السودان إلى يومنا هذا، وفي كل مرحلة تتجدد الأساليبن أساليب الصاق تهمة الارهاب بالسودان، والآن ظهرت إلى السطح وبقوة ظاهرة داعش ومن قبلها بوكوجرام، والأخيرة تستهدف الطلاب الافارقة الذين يدرسون بالجامعات السودانية اذ تم تصديرها من دولة تشاد فكان التركيز على جامعة إفريقيا. أما ظاهرة داعش فهي الاكثر خطورة، والتي شغلت الرأي العام وما زالت، وشكلت هاجساً وخوفاً وذعراً وسط الاسر، حتى أن كل أسرة ظلت تتحسس ابناءها الذين يدرسون بالجامعات كل لحظة حتى تطمئن بأنهم داخل السودان ولم ينضموا لهذا التنظيم (الداعشي) الخطير. وظلت النكات والطرف تطلق وتملأ الأسافير، بعضها تشير إلى أن الاسرة حينما تتصل بالابن وتجده في حفل غنائي تكون أكثر اطمئناناً من أن تجده في حلقة تدارس قرآني أو تحفيظ وتلاوة، وهذه (قمة الخطورة) وفي ظني أن الذين وراء استقطاب الشباب السوداني قد اصابوا هدفهم، وهو ابعاد الشباب من الاستقامة والتدين، الى الجنوح والتطرف، تطرف ربما يتجه إلى العلمانية طالما أن التدين يؤدي إلى الانضمام إلى تنظيم إرهابي. هكذا بدأ تفكير الاسر بتغير، ويتجه إلى أن الالتزام بالمنهج الديني يعني الارهاب، وهكذا ارادت دول الغرب أن توصم السودان بهذه التهمة، ليكون الارهاب عملية يمارسها شباب السودان. وعلى الرغم من الزخم الذي وجدته هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، الا أننا نجدها ضعيفة مقارنة بالدول الاخرى، فهي لم تتعد ال(103) شباب وشابات بحسب احصاءات رسمية، بينما في بعض الدول وصل العدد (8) آلاف بيد غرابة الظاهرة على المجتمع السوداني والطريقة التي استقطبت بها الطلاب، بالتركيز على طلاب الطب جعلت الكثيرين يتملكهم الخوف والشكوك. شكوك طالت الحكومة نفسها، فالبعض لم يستبعد أن السلطات الحكومية هي من تسهل الامر على الطلاب للانضمام لهذا التنظيم وهو في اطار الحرب على الحكومة تدعم الارهاب، الا انه بالنظر الى بداية انتشار هذه الظاهرة بدءاً من ظاهرة التكفير ومروراً ببوكو حرام والآن داعش، نجد جهود التصدي لها واضحة، فالأولى (التكفير) تم تحجيمها في وقت وجيزولم يعد لها اثر الآن وكذلك بوكو حرام. أما ظاهرة داعش فقد بذلت فيها جهود الا انها لم يكشف عنها في الاعلام، لذا ظلت غائبة عن الكل، اضافة الى أن الطريقة التي اتبعت فيها استقطاب الطلاب، استخدمت فيها الاساليب الحديثة في التمويه والاخفاء، لم تكتشفها الاسر نفسها أو اقرب الاقربين للمستقطبين. وبرغم ذلك تم فك طلاسم شفرات هذه الظاهرة ومحاصرتها، وإحباط الكثير من محاولات الانضمام لداعش، وارجاع الطلاب الى ذويهم، فيما يبدو تم بذل الكثير من الجهد في ذلك، وبحسب المعلومات ان ما تم احباطه اكثرمن العدد الذي انضم، وتم اجراء اللازم لتغيير افكار هؤلاء وتصحيح القناعات التي جعلتهم ينضمون لهذا التنظيم. وفي ظني ان التنظيم لن يجد له موطئ قدم في السودان فقد اجريت فيما يبدو كل التحوطات لقطع الطريق امام الذين يستقطبون هؤلاء الشباب، وهي جهود ينبغي أن تعلن للكل حتى تطمئن الاسر، وتمحوا الافكار الخبيثة التي عشعشت في اذهانها، بأن من يلتزم بدينه يعني انه داعشي.. نقلا عن صحيفة الرأي العام 21 /9/2015م