لم يكن انضمام أي فرد من الشباب إلى تنظيم ديني متشدد أو متطرف خارج حدود السودان يلفت الانتباه كثيرا، ربما لأن الأمر لم يكن ظاهرة، غير أن انضمام تسعة طلاب سودانيين من حملة الجوازات البريطانية إلى تنظيم داعش فتح الباب واسعا لمناقشة القضية وأسبابها من جوانب مختلفة. ربما تتشابه الأسباب التي دعت اثنين من الطلبة للانضمام لجماعة بوكو حرام السلفية الجهادية النيجرية مع تلك التي دعت آخرين للانضمام لتنظيم طالبان في وقت سابق. مجموعات دينية متشددة لا يحوي ظاهرها بإمكانية الاقناع والاستقطاب، لكنها تملك من القدرة الإقناعية الكثير لتستقطب حتى من ليس لديهم أي ميول إسلامية سياسية. قبل أيام أصدر آباء الطلاب التسعة من مقر إقامتهم في جنوبتركيا بيانا، أشاروا فيه إلى أن أبناءهم من المتميزين علميا ومن المساهمين في أعمال الخير التطوعية وأن نواياهم الإنسانية خيرية وتتمثل في حدود المهنة الطبية والإنسانية. حاول الآباء دفع التهمة التي تطال أبناءهم بالانضمام إلى داعش، وهم في ذلك محقون، غير أن الطلبة استشعر بعضهم بخطورة الأمر بعد أن ذهب إلى هناك. عميد شؤون الطلاب بجامعة مأمون حميدة د. أحمد بابكر، أشار إلى أن إحدى الطالبات أبدت عدم رغبتها في العودة لأنها ستحاكم في بريطانيا بالسجن وستواجه مشاكل أخرى إن قررت القدوم إلى السودان. انقطاع الطلبة عن الاتصال بأهاليهم يشير إلى أنهم تحت سيطرة التنظيم وإن ذهبوا إلى هناك بحسن نية وقلب نظيف أبيض. تحقيقات موسعة أجرتها الصحافة العالمية حول أسباب انضمام شباب من العقد الثاني والثالث من العمر إلى داعش، الذي لا يوفر لهم سبل العيش الرغيد أو الراحة.. البعض أشار إلى شعورهم بالاغتراب والعزلة، نتيجة لعنصرية بعض المجتمعات الأوروبية، مما يدفعهم للتفكير في الانتماء لمجتمع أكثر مثالية، يعوضهم عن فقدان الانتماء الوطني، أو إلى فقدان الشخص لمجتمع مستقر، يحقق فيه أهدافه ويجد روحانيته مما يدفعه للتفكير في بديل ديني مقدس. الخواء الديني، والتعلق بجهاد النفس والدم وليس عبر التبرع المالي أو بالكلمة الطيبة. ربما يكون سببا مهما لانضمام السودانيين للجماعات الدينية المتشددة خلال الفترات الماضية. الحرب التي تجري الآن من قبل السعودية وبمعاونة دول الخليج وبعض الدول العربية على الحوثيين باعتبارهم في الأصل حركة دينية سياسية، ربما تمتد في وقت لاحق على داعش باعتبارها جماعة دينية متشددة باتت تستقطب الشباب للاشتراك في أعمال تبدو إرهابية باسم الدين. ولكن لن تتمكن الحرب العسكرية من القضاء على الفكرة التي تؤمن بها الجماعة وتسعى بتزيينها واستقطاب مؤيدين لها من العرب والأجانب إلا باتباع نفس المنهج في أحيان كثيرة. فالالتقاء بين الجماعات والأفراد لاستقطابهم لا يتم في مسجد أو مطعم أو شقة، إنما عبر فضاء الكتروني واسع وكبير لا يخضع للتدمير عبر البندقية.!