كل هذا صحيح ،و لكن ليست هناك أدني مؤشرات موضوعية بوسع المراقب استصحابها و الاعتماد عليها للتأكيد على أن الحركة الشعبية عازمة بالفعل – استعدت و أعدت العدة – لخوض أول انتخابات في تاريخها الطويل المثقل بالحروب ، و القتال و الدماء و تكتيكات حرب العصابات لما يجاوز العشرين عاماً.و لعل أول ما يستوقف المرء هنا ، هو أن الحركة لم تعلن حتى الآن لا صراحة ولا ضمناً تحالفاتها مع هذا الحزب أو ذاك مع إدراكها أن خوضها للانتخابات منفردة هو انتحار سياسي لا جدال حوله ، و ثاني أمر يستوقف المرء هو أحجامها عن الإفصاح عن مرشحها الرئاسي على الأقل - دعك عن بقية مرشحيها- أسوة بشريكها المؤتمر الوطني الذي رشح رئيسه المشير البشير رسمياً للرئاسة . وقد يقول قائل هنا ، أن الحركة فيما يتعلق بالتحالفات ، تود الاحتفاظ بإستراتيجيتها التحالفية للحظة الأخيرة ،و لكن خطورة ، بل و خطل هذا التكتيك ، أنه قد يقودها في النهاية لفقدان الحلفاء ،ولربما استطاع المؤتمر الوطني في إطار المهارة السياسية التي أكتسبها دربة و دراية كبيرة أن يستميل حلفاء أقوياء وكبار يقطع بهم الطريق على تحالفات كانت تتطلع إليها الحركة ،و لربما تُفاجَأ الحركة بمن تفاهمت معهم سراً ، يصبحون حلفاء للمؤتمر الوطني ، ففي السياسة فان قواعد اللعب وان كانت واضحة و معروفة ،لكن التكتيكات متروكة للاعبين و مدي مهارتهم ، و من المؤكد أن الحركة لو تلكأت في تحديد موقفها من التحالفات فسوف تضطر لأكل (ماتبقي) على مائدة من فتات ! أو أن تذعن لشروط المؤتمر الوطني التحالفية و تضطر لركوب ذات المركب معه على الأقل لضمان ما تبقي من بنود اتفاقية السلام. أما بالنسبة لمرشحها الرئاسي فهذه ثالثة أثافي الحركة فهي لن تغامر بترشيح قيادي بارز ، ربما يتعرض لخسارة فادحة تقصيه عن الملعب السياسي نهائياً ،و قد رأينا كيف تقاطعت الآراء و الأحاديث و تناقضت بشأن قرار سابق قيل أن المكتب السياسي للحركة اتخذه بشأن ترشيح زعيمه الفريق أول سلفاكير ميادريت للرئاسة ، فقد تم نفي القرار و إثباته ثم نفيه ولم يعرف حتى الآن مصيره ! ومن جهة ثالثة فان الحركة حتى الآن لم تشع في تحديد مرشحيها للدوائر الجغرافية و هذا ناتج عن مشاكل أثنية في الجنوب يصعب حلها أو اتخاذ قرار بشأنها ،و مشاكل تنظيمية في قطاع الشمال استحال حلها واستعصت منذ سنوات ، و إذا اضطرت الحركة لعقد مؤتمر استثنائي الآن للتقرير بهذا الصدد ، فان المشاكل و الأزمات من الكثرة و التعقيد بحيث يستحيل على المؤتمر الوطني التوصل بشأنها إلى حلول في وقت لم يتبق على موعد الانتخابات سوي اقل من ستة أشهر !.., هكذا فان من الصعب القول ان الحركة الشعبية عازمة على خوض الانتخابات خاصة وقد رأينا كيف تجري الآن محاولات مختلفة لعرقلة الدورة البرلمانية الأخيرة للبرلمان حتى تجد مدخلاً تتعرقل من خلاله عملية الإعداد للانتخابات ،وبوسع أي مراقب – بعد هذا الاستعراض- أن يستخلص موقف الحركة الشعبية الحقيقي و ما إذا كانت ستخوض الانتخابات متحالفة أم منفردة أم لا !