استعصت حتي الان علي المراقبين عملية فك طلاسم التحالفات السياسية المنتظرة التي علي أساسها سوف تخوض القوي السياسية السودانية الاستحقاق الانتخابي المرتقب. فأحزاب جوبا هي نفسها لم تطلق علي تجمعها تحالفاً سياسياً, ولو كان تحالفاً بحق, لاتخذ قرار خوض الانتخابات, وترشيح المرشحين بقدر واضح من التشاور والتنسيق, ولكن هذا لم يحدث حتي الان علي الرغم من انعقاد اجتماعات وانفضاض اجتماعات, وعقد مشاورات والتقاء قادة. وبالمقابل فان أحزاب حكومة الوحدة الوطنية المتحالفة بحكم وجودها ضمن طاقم السلطة, هي أيضاً لم تقل حتي الان أنها شكلت تحالفاً سياسياً فيما بينها لخوض الانتخابات. الحركة الشعبية التي تراهن عليها بشدة وربما لدرجة (الحياة أو الموت) القوي السياسية المعارضة لتستقوي بها علي المؤتمر الوطني, ترفض حتي الان الافصاح عن نواياها التحالفية وربما كانت الحركة- الأكثر توجساً من التحالفات- تنتظر لحظة فارقة ومفصلية تطمئن خلالها الي رحجان كفة من تود التحالف معهم وهذه وردت في اشارات لوح بها أمينها العام قبل أسابيع باقان أموم ولم يشأ تكرارها حتي لا ترسخ في ذهن الاخرين. ولعل خلو الساحة السياسية حتي الان من تحالفات جادة مرده الي (غياب الثقه) بين المكونات السياسية خاصة المعارضة فيما بينها, بل وحتي داخل الحزب الواحد, اذ أن تجربة (الانقسامات المفاجئة), والانسلاخات الحادة التي شهدتها هذه الاحزاب حتي كادت أن تقعد بها وتجعلها كسيحة فعلت فعلها في هذه الأحزاب وأفقدتها الثقة بنفسها, ومن الجانب الاخر, فان التحالفات نفسها دائماً تبني علي واقع وليس علي تصورات نظرية أو تمنيات وقد كان ملتقي جوبا نموذجاً لهذا الأمر, فهو علي الرغم من خروجه بمقررات حدد لها توقيتات وهدد بها السلطة الحاكمة الا أنه لم يفعل شئياً ذا بال وعلي العكس- وهذا أمر مؤسف- فان ملتقي جوبا سعي لترسيخ الضعف والهوان الذي اتسمت به القوي السياسية السودانية المعارضة وجعل الناخبين السودانيين سواء في مجالسهم الخاصة أو في الصحف وفي أماكن المناسبات يتضجرون من عدم وجود بدائل سياسية حقيقية للسلطه الحاكمة وهو ما يقود بدوره لنتيجة مؤداها, أن أحزاب جوبا, بقدر ما كانت تسعي لتقول للناخبين السودانيين أنها قادرة علي استبدال الحاكمين وعلي وجه الخصوص المؤتمر الوطني, بقدر ما أكدت وقطعت الشك باليقين في أذهان الناخبين أنها لن تستطيع, واذا استطاعت فانها سوف تأتي بالفوضي والخلافات والمشاكسات التي عادة ما تنتهي بمارش عسكري! ولهذا فان الوقت الضيق المتبقي لحلول أجل الانتخابات ما عاد فعلياً صالحاً لعقد تحالفات استراتيجية قوية بين القوي المعارضه بعضها ببعض لمواجهة خصمها الرئيسي, وغني عن القول انه وحتي لو نجحت هذه القوي في التحالف فان استقرارها علي مرشحين مقبولين في متسوي مرشحي الخصم يبقي محلاً للشكوك, كما أن تحالف أي قوة تقف الان في صف القوي المعارضة أو تقف في صفين مزدوجين كما هو الحال بشأن الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني لن يمانع الاخير من تحالفها معه, ولكن هذا سوف يعني مقدماً أن هذه القوي اختارت الفوز السهل باختيار الجواد الرابح واقعياً, مما يجعلها مستقبلاً غير قادرة علي العمل المنفرد!! وعلي أية حال, فهذه واحدة من طباع السودانيين الذين لا يتحركون لفعل الشئ الا في اللحيظات الأخيرة, أي في الدقيقة ال (25) كما يقولون!!