لا بديل عن الأممالمتحدة إلا المنظمة الدولية نفسها، مع الضرورة الملحة التي يقّر بها الجميع إلى إصلاحها لتحسن التعبير عن الواقع العالمي وتستجيب لتحدياته، ولتعيد استلهام ديباجة ميثاقها التي عبرت عن الحاجة إلى خلق عالم جديد يخلو من الظلم ومن الحرب. نجحت الأممالمتحدة في الاستجابة للتحديات التي تواجه البشرية اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً، لكنها فشلت سياسياً في خلق نظام عالمي ديمقراطي وعادل يمثل المجتمع الدولي تمثيلاً حقيقياً. الأممالمتحدة جسدت النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وهو نظام أنشأه المنتصرون في الحرب، ولم يغفل عن الهواجس والوساوس والمخاوف التي ساورت أقطابه سياسياً ودفاعياً واقتصادياً فمثّل النظام الحد الأدنى للتوافق في هذه المجالات، مع إطلاق الحد الأقصى فيما عداها. علة العلل في نظام الأممالمتحدة تتمثل في مجلس الأمن الدولي الذي يهيمن عليه الخمسة الكبار، ويملكون حق «النقض»، بحيث يبطل هذا الحق من دولة واحدة مشروع قرار يمثل الشرعية الدولية، ما يجعل الإجماع الدولي لا يساوي شيئاً لأن دولة واحدة كبرى لا تستمزجه، أو لأنه يتعارض مع مصالحها الحقيقية أو المتوهمة أو مصلحة حليف لها. وقد جسد الفيتو الأمريكي هذه العلة أفضل تجسيد، حيث استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض أكثر من 37 مرة لنسف مشروعات قرارات تطال «إسرائيل» حليفتها الاستراتيجية وربيبتها إن لم نقل راعية مصالحها ومحصنتها من المساءلة الدولية ومانعتها من الرضوخ إلى القانون الدولي. بل استخدمت الولاياتالمتحدة مجلس الأمن طوال ربع القرن الماضي بعد انتهاء الحرب الباردة لتكريس القطب الواحد وتسفيه إرادة المجتمع الدولي عندما لا تتفق مع سياستها وتوجهاتها ومواقفها من القضايا الدولية. كما استخدمت وكالات الأممالمتحدة المتخصصة في إطار سياسة العصا والجزرة، والكيل بمكيالين، وأداة لتأديب العصاة ومكافأة الحلفاء. في عالم يتبنى مبادئ الحرية والديمقراطية والحقد في تقرير المصير فشلت الأممالمتحدة عبر مجلس إدارتها - مجلس الأمن - في تصفية آخر وأسوأ نوع من الاستعمار على الأرض في فلسطين التي شرد نصف شعبها وحرم النصف الآخر من حقه في الحياة، لأن حق النقض بالمرصاد لأي محاولة لتقويم الميزان ورد الحقوق لأهلها. اللجان التي شكلتها المنظمة الدولية لتقديم توصيات بإصلاحها ركزت فقط على توسيع مجلس الأمن بإضافة دول مثل الهند والبرازيل واليابان وألمانيا إلى الأعضاء الدائمين، بينما طرحت اقتراحات أخرى بضم ثلاث دول تمثل إفريقيا والعالم الإسلامي والعربي مثل جنوب إفريقيا وأندونيسيا ومصر. الأفضل - بالطبع - أن يقوم نظام جديد لمجلس الأمن يلغى فيه حق النقض الذي يمثل سبة في جبين الشرعية الدولية. فالمحك هو التعبير عن ديمقراطية التمثيل وإرادة الأغلبية والعدالة والقانون الدولي وتجسيد مبادئ الميثاق الأممي. المصدر: الخليج الاماراتية 10/10/2015م