مشكلة الدولة العقائدية أو الإيديولوجية أنها حبيسة في نفسها وغير قادرة على إدارة حوار داخلها أو مع الخارج، فتتعاظم فيها الجينات الانعزالية بدعوى النقاء والتطهر، فتضعف فيها عوامل المناعة الذاتية، فتستقوي على نفسها بالحقن الصناعي بأوهام القوة المطلقة والمناعة والحشد البشري (الكمي) والدعاية والترويج للنفس والنهج والانكار لما سوى ذلك من حقائق الواقع، ما يندرج في النوعي والمعنوي. تجاوز العصر بسرعة الضوء، الدولة الثيوقراطية، وسقطت بشكل مدوٍ الأنظمة الإيديولوجية الوطنية الفاشية والنازية والشيوعية الأممية، وإن كانت هناك دول مازالت تتبنى،اسماً، الشيوعية فهي في حالة احتضار وتبحث ببراغماتية لا تحسد عليها عن دواء يخرجها من علتها وينقذها من مواتها الإيديولوجي، ولا تجد غضاضة في تبني المشروع الخاص والحرية الاقتصادية، ما يدخل في باب التلفيق الفكري والترقيع السياسي الذي لا صلة له البته بالمبدأ. الجمهورية الإيرانية اسماً والامبراطورية روحاً دولة دينية بامتياز في هياكلها، يتحكم رجال المذهب المعممون في جميع مفاصلها، ويحتكرون إدارتها. ويحمي النظام نفسه بتراتبية غير ديمقراطية،على رأسها مرجعية ومؤسسات رقابية على الأفكار والسياسات والتوجهات والمواقف، تنصّب نفسها وصية على الشعب دينياً وسياسياً إلى جانب مؤسسات عسكرية وأمنية عقائدية مثل الاستخبارات والحرس الثوري (باسدران) والمتطوعين (باسيج)، وهي في حقيقتها مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة التقليدية العسكرية (الجيش) والأمنية (الشرطة والدفاع المدني). إذا كانت المؤسسات الموازية في سنوات التأسيس رقيبة على المؤسسات الرسمية التقليدية، فقد تحولت الموازية بمرور الزمن إلى بديل عن الأصل المهمش، وتحوّل الرقباء إلى حكام. فشل المشروع الإيراني بتصدير الثورة إلى الجوار الإقليمي على صخرة حرب الثماني سنوات، وتوارى الصوت الإيديولوجي المتطرف مع ارتقاء الاصلاحيين إلى الحكم، وسياستهم المعتدلة بمد اليد للجوار وتقديم التعاون على العداء والشراكة على التنافس، إلا أن هذا الوجه المعتدل للسياسة تبدد مع قمع الحركة الإصلاحية والغزو الأمريكي للعراق، الذي قدم هذا البلد العربي الكبير هدية لإيران على طبق من ذهب، ما أيقظ مجدداً أحلام الإمبراطورية والتوسع وفرض النفوذ. إيران تدرك أنها لا تستطيع أن تخوض حرباً إمبراطورية تقليدية مع جوارها العربي، فعادت إلى ممارسة التوغل التكتيكي بإدعاء الوصاية والولاية على مكون مذهبي وإمداده بالمال، والحقن السياسي - العقدي والسلاح والمتفجرات والتجنيد والتدريب والتغطية الإعلامية الموسومة بأسوأ صفات الدعاية السوداء واختلاق الأكاذيب وترويجها. تخطئ إيران - مثلما أخطأت من قبل - إذا ظنت أن مواليها ومحازبيها الذين تدعي الولاية والوصاية والقوامة عليهم في الداخل العربي يمكن أن يكونوا أداة لتنفيذ أجندتها الخبيثة بالهيمنة على الجوار العربي. كما تخطئ إذا ظنت أن البحرين هي كعب أخيل الذي ستنفذ منه إلى بسط النفوذ على دول مجلس التعاون الخليجي أو اختراقها أمنياً، فدول المنظومة أقوى من أن تؤخذ على غرة، وأكبر من أن تبتلع وتملك الإرادة والقوة والمنعة على أن تحبط المخطط الآثم. في عالم يعلي قيم التعاون والشراكة، لما فيه صالح الشعوب، على إيران وتركيا أن تتخليا عن أحلام الإمبراطورية والسلطنة، وأن تقتنصا فرص التعاون، بدلاً من الركض وراء السراب وجنون النفوذ والهيمنة وقبض الريح. المصدر: الخليج 6/10/2015م