لم تمض إلا أيام قلائل على قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية تجديد عقوباتها للسودان عاماً آخر يبدأ منذ الثالث من نوفمبر الجاري، الخطوة قابلتها الخرطوم بحنق شديد وهي تسعى جاهدة لتطبيع علاقاتها مع واشنطن، وعلى الرغم من أن القرار لا يزال طازجاً إلا أن وفداً من الكونغرس الأمريكي يضم عشرين عضواً حط رحاله بالخرطوم في زيارة بدأت منذ أمس الأول، الزيارة التي تمت بدعوة من أحد رجال الأعمال السودانيين تبدو وكأنها نفاج ضوء في علاقات أصابتها العتمة لسنوات مضت منذ أن قررت الولاياتالأمريكية إدراج السودان تحت قائمة الدول الراعية للإرهاب في العام 1993م وبعد أربع سنوات من هذا القرار فرضت واشنطن حظراً اقتصادياً على السودان كانت له العديد من الآثار السالبة على مستقبل السودان الاقتصادي. مليارات الدولارات خسرها السودان بسبب الحصار على اقتصاده وتضييق الخناق عليه في مختلف جوانبه فها هو القطاع المصرفي عانى ما عانى من آثار الحصار بما عمل على تشويه القطاع واتجه المتعاملون إلى الأسواق الموازية بدلا عن المصارف بسبب منع تحويلاتهم المالية إلى الدول الخارجية. وليس القطاع المصرفي فحسب، حتى القطاعات الإنتاجية والخدمية التي ظلت دون تطور ولا تقدم بسبب عدم قدرتها على استيراد مدخلاتها من الخارج ولا سيما قطاع الطيران والكهرباء. وغير بعيد عن الأذهان ما حدث لمصنع سكر النيل الأبيض الذي اجل افتتاحه بسبب برنامج لم يستطع المصنع أن يستورده بسبب الحصار الأمريكي. حسناً.. هذه المعطيات تجعل لزيارة وفد الكونغرس الأمريكي أهمية عظمى على المستويين السياسي والاقتصادي تزامناً مع أوضاع بالغة التعقيد تستلزم تضافر الجهود للوصول إلى وضع سياسي واقتصادي يوفر العيش الكريم للمواطن السوداني الذي باتت تطلعاته تنحصر في أساسيات المعيشة دون كمالياتها.. لذا فإن وفد الكونغرس الأمريكي سيبدو مثل العصا السحرية التي يمكن أن تحقق المعجزات وتقلب الأوضاع التي عجزت الآليات الأخرى عن الوصول الى ما يصبو اليه المواطن من خلال استطاعة الأخير إقناع الإدارة الأمريكية بإزالة العقوبات الاقتصادية والتعامل مع الخرطوم بوجه حسن، لذا فإن اجتماعات الوفد في الخرطوم لم تنحصر في المسؤولين السودانيين فقط بل تعدتها الى بعض المرافق الصحية الخاصة والقطاع الخاص. في قاعة وزارة المالية اجتمع وفد الكونغرس الأمريكي مع وزير المالية والنفط والمعادن ووزير الدولة بالاستثمار بجانب محافظ البنك المركزي، وأدلى كل واحد منهم بدلوه في الآثار السالبة التي يخلفها الحصار الأمريكي على اقتصاد السودان ومستقبله.. وزير المالية بدر الدين محمود أرجع عدم حصول السودان على استحقاقه في إعفاء الديون للعقوبات الأمريكية والحصار المضروب على الاقتصاد السوداني شاكيا من تأثير العقوبات على تنفيذ العمليات المصرفية والتجارية لرجال الأعمال مع المراسلين الأجانب. ولم يكتف محمود بذلك بل طالب الوفد بمساعدته في إنفاذ التصديقات الممنوحة في إطار (الأوفاك) وشروطه لعمليات الاستيراد من الولاياتالمتحدةالأمريكية مع العمل على إزالة العقبات التي تواجه تنفيذ التراخيص والعلاقات المصرفية، محمود الذي يتيقن من آثار عقوبات واشنطن على اقتصاد يمسك هو بزمام إدارته قدم للوفد جهوده في الإصلاح الاقتصادي رغم ظروف الحصار والمقاطعة، مشدداً على أعضاء الوفد أهمية السعي لرفع العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والسعي لتطبيع العلاقات مع أمريكا في ظل فرص الاستثمار الواعدة بالسودان في مجالات الزراعة والنفط والغاز ومجال الخدمات وإمكانية توظيفها لصالح البلدين حال تطبيع العلاقة بينهما. وزراء النفط والمعادن والاستثمار ومحافظ البنك المركزي رأوا أهمية السعي لوضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات مع التأكيد على أهمية دور السودان كدولة متماسكة في الإقليم بالإشارة الى دوره في استعادة الاستقرار في دولة جنوب السودان وإعادة السلام والأمن في اليمن وليبيا دون أن يغفلوا توضيح جهودهم في أحداث التطور الاقتصادي والسعي للاستفادة من موارد الدولة في تعزيز العلاقات الاقتصادية الخارجية. وفد الكونغرس الأمريكي لم يكتف بلقاء وزراء القطاع الاقتصادي والسياسي بل تطرق الى القطاع الخاص وفي زيارة يبدو ان الجانب الإنساني غلب عليها زار وفد الكونغرس مع رجال أعمال يتقدمهم أمين النفيدي واحمد أمين مركز الخرطوم للعناية بالثدي ووقفوا على حال المركز الذي ازدحم بالمرضى الذين ينتظرون تشخيص حالاتهم من أمراض السرطان وآخرين يتزاحمون حول أبواب العلاج بالأشعة وجلسات الكيماوي من كافة ولايات السودان في ظل قلة عدد الأجهزة التي تعمل لهذا النوع من العلاج غير ان المركز يعاني هو الآخر من تأثير عقوبات واشنطن عليه بعدم تنفيذ التصديقات الممنوحة من الاوفاك لاستيراد قطع الغيار والصيانة التي تحتاجها الأجهزة، ويبدو أن الوفد قد لامس معاناة حقيقة لدى رواد المركز الذين ينشدون العلاج فوعد بتسهيل وصول قطع الغيار والاسبيرات فور وصوله الى الولاياتالمتحدةالأمريكية. زيارات أخرى ينتظر ان يقوم بها الوفد مع سياسيين واقتصاديين ورموز المعارضة وبعض الهيئات الشعبية سيحضر جلسة البرلمان يوم الاثنين المقبل، وعلى الجانب الآخر ينتظر الجانب السوداني من هذه الزيارة أن تؤتي أكلها وتكلل بالنجاح وتكون خطوة ناجحة في تطبيع العلاقات بين البلدين. نقلاً عن صحيفة اليوم التالي 10/11/2015م