قالت دائرة الوثائق البريطانية قبل أيام أن بحوزتها خرائطاً ووثائقاً تاريخية لا يتطرق إليها الشك تثبت أن مثلث حلايب في الركن الشمالي الشرقي المجاور لجمهورية مصر العربية منطقة سودانية.. وربما لم يكن هذا التطور الكبير أمراً جديداً أو مستغرباً، إذ أن قضية سودانية المثلث وتبعيته للسودان لا تحتاج بطبيعة الحال إلى إثبات ولكن لأن الجانب المصري – للأسف الشديد – عمل على تمصير المنطقة وإسباغ صبغة مصرية عليها ووضعت السلطات المصرية – بصفة استباقية – يدها على المثلث سعياً منها لترسيخ فرضية الأمر الواقع فإن النزاع حول المثلث أضحى من الأمور المعقدة التي تقتضي قدراً من الموضوعية من الجانب المصري. وعلى ذلك فإن الوثائق المصرية المفرج عنها حديثاً من المؤمل أن تفضي إلى إعطاء النزاع بعداً قانونياً مهماً للغاية . أولاً : بصرف النظر عن مدى قانونية ووزن هذه الوثائق فإن أهميتها الإستراتيجية تكمن في أنها وثائق بريطانية عتيقة مضت عليها عشرات السنين، (أكثر من 100 عام). ومثل هذه الوثائق – قانوناً – تسمى وثائق أو مستندات عتيقة لها حجية قانونية قوية. ثانياً : الوثائق المذكورة مدعمة بخرائط الأمر الذي يفيض عليها مصداقية قوية، لأن الخرائط قديمة أيضاً هي الأخرى فلو كانت هذه الوثائق مجرد وثائق وحدها لقلنا أن قيمتها ستكون أقل، ولكنها مدعمة بخرائط على أرض الواقع. ثالثاً : الوثائق كانت محفوظة في دار الوثائق البريطانية ومن ثم فهي كانت لدى طرف ثالث خارج أطراف النزاع وهذا يمنحها أيضاً قيمة قانونية كونها كانت لدى جهة ليست معنية بشكل مباشر بالنزاع. رابعاً : هنالك قيمة قانونية إضافية ايضاً لهذه الوثائق والخرائط كون أنها صادرة عن بريطانيا التي كانت تستعمر السودان في وقت من الأوقات وتحكمه بالتشارك مع الحكومة المصرية فيما عرف بالحكم الثنائي، فلو كانت بريطانيا في هذا الصدد منحازة فإن من الطبيعي أن تنحاز للجانب المصري كونهما كانا في يوم ما يحكمان السودان حكماً ثنائياً وبالتالي فإن بريطانيا – كشريك سابق للجانب المصري – تقر الآن بصحة تبعية المنطقة للسودان. من جانب آخر فإن ما يمكن أن نطلق عليها قرائن قانونية تؤكد على أحقية السودان في المثلث المتنازع عليه أولها : مسارعة الجانب المصري وعلى نحو مريب يخالف الأعراف الدولية على تمصير المثلث لفرض الأمر الواقع! ففي مثل هذه النزاعات الحدودية فإن من المهم جداً، البعد عن التلاعب بالحقائق ومحاولة فرض واقع جديد يزيد من تعقيد النزاع. ثانيها : أن الجانب المصري – لأسباب ليست موضوعية- ظل وما يزال يرفض أي نقاش أو حلول للنزاع على الرغم من أن بالإمكان بحث الموضوع وإتاحة الفرصة لكل طرف لتقديم حججه ومستنداته كأمر طبيعي في مثل هذه النزاعات. ثالثها : أن الجانب المصري يرفض دون مبرر الاحتكام إلى هيئة تحكيم دولية لحسم النزاع إذ المعروف أن التحكيم واحد من أهم آليات فض نزاعات الأراضي والحدود بين الدول. وكلنا يعرف تجربة جمهورية مصر الشهيرة في اللجوء للتحكيم في نزاعها الطويل المعروف مع إسرائيل في منطقة طابا! بل ان إحجام الجانب المصري عن القبول بالتحكيم – في ظل وجود نزاع جدي قائم مع ارتضائه للتحكيم في نزاعه على طابا مع إسرائيل معناه أن الجانب المصري يناقض نفسه من جهة، وتعوزه الحجة القانونية اللازمة من جهة أخرى! وعلى كل فإن النزاع الناشب بشأن منطقة حلايب لم يكن ليستحق كل هذا التعقيد لو أن الجانب المصري تعامل بقلب وذهن مفتوحين ولهذا فإن تأكيدات الرئيس البشير مؤخراً على سودانية حلايب في لقاء تلفزيوني أجرى معه مؤخراً، يصب في هذه الحقيقة التي لا يتطرق إليها الشك!