الحرب انحسرت في دارفور ولم يشهد الإقليم مواجهات عسكرية بين الحكومة والمتمردين منذ معركة قوز دنقو في ابريل من العام الماضي، وليس للتمرد وجود سوي في جيوب محدودة في جبل مرة، وفلول هائمة علي وجوهها صارت تقتات من النهب، ورغم ذلك فالأوضاع هشة وتمثل مخيمات النزوح أكبر معرض دائم يعكس أن العافية لم تكتمل بعد. العام الماضي شهد أحداثاً دامية وسقط المئات من ضحايا الاقتتال القبلي، واجتهدت حكومات الولايات والحكومة الاتحادية في تسوية النزاعات القبلية وعقد مؤتمرات للصلح، ساهمت في احتواء كثير من المشكلات القبلية التي تراجعت بشكل كبير في الفترة الأخيرة وخبت نيران الفتنة من السطح ويحتاج اجتثاثها من الجذور إلي معالجات غير تقليدية لم تحن الظروف المناسبة لترجمتها. غير أن دارفور منذ شهور تشهد أحداثاً تبدو صغيرة ولكنها خطيرة ويمكن أن تتمدد مثل كرة الثلج، مما يهدد بانفلات يصعب التحكم فيه أو التنبؤ بمآلاته، والأخطر أن تلك الأحداث وقعت في وسط المدن الرئيسية وضواحيها، للسلطات. في نيالا قتل ومواجهات في ساحات المحاكم وخطف ونهب، وبضاحية الفاشر قبل أيام يقتل المزارعون نهاراً وسط مزارعهم ويحمل المواطنون جثامين القتلى ويتجمعون أمام مقر حكومة الولاية احتجاجاً، واتهمت وزارة الدفاع ميلشياً أجنبية "مرتزقة" قادمة من خارج البلاد بالتورط في الأحداث التي طالت آثارها أربع قري بولاية شمال دارفور في مطلع ديسمبر الماضي. وشهدت الجنينة أمس (الأحد) أحداثاً مقلقة حيث اقتحم نازحون أمانة حكومة ولاية غرب مليشيات مسلحة علي قري مولي، وعاتية، وقوقور جنوبالجنينة. القاسم المشترك الذي يجمع هذه الأحداث هو انتشار السلاح بأيدي المواطنين، وضعف الوجود الرسمي لمؤسسات الدولة وخاصة المعنية بالعدالة التي ينبغي أن تردع المعتدي حتي لا يفكر أحد في نيل حقه بالقوة والانتصار لنفسه وقبيلته، وبطء تحرك حكومات الولايات لاحتواء الأحداث قبل تمددها وانفجارها، والتعاطي التقليدي معها. نعم توقفت الحرب.. لكن الطريق إلي السلام لا يزال شاقاً وطويلاً، والمطلوب استكمال العملية السياسية باتفاق مع المتمردين لنزع أي مبرر لحمل السلاح، ونشر النيابات والمحاكم والشرطة لفرض الأمن وتحقيق العدالة. دارفور رغم ما تشهده من هدوء نسبي، فإن الأوضاع في ليبيا وأفريقيا الوسطي ونشاط جماعة بوكو حرام قرب محيطها يضعها أمام تحد حقيقي وقابلية للاضطراب، الأمر الذي حتم تبني خطوات جادة وحكيمة لتجنيبها مخاطر محتملة. نقلا عن صحيفة الصيحة 11/1/2016م