تحتاج العلاقات السودانية المصرية إلى كثير من الوعي السياسي والدبلوماسي في هذه المرحلة المهمة والحاسمة من تاريخ البلدين، لا سبيل أمام الخرطوموالقاهرة إلا الحوار والتشاور والتكامل والنهوض سوياً أمام مهددات الأمن القومي لكلا الدولتين، هذه علاقة إستراتيجية يجب وضعها بعيداً عن أمزجة المتهورين ومراهقي السياسة لأن فسادها ينطوي على مخاطر مستقبلية عديدة لا يدركها الساعون بالفتنة بين البلدين. لن يكف المتربصون بهذه العلاقة عن نسج الحيل والأكاذيب لوضع البلدين في حالة مواجهة واحتقان دائمة وعلى الإعلاميين والسياسيين هنا وهناك تفويت الفرصة أمام أمثال هؤلاء. كان البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية رائعاً وهو يبتدع من اللغة والتصريحات ما يمكن أن يعقم أجواء العلاقات من فيروس الخلافات، في أكثر القضايا حساسية كان غندور يصرح بمزاج معتدل وبطريقة مسؤولة أراحت أعصاب البلدين وامتصت ما علق بالأواصر الثنائية في الآونة الأخيرة من محاولات لإحداث القطيعة وتأجيج الخلافات. قضية حلايب وشلاتين نزع منها الوزير عناصر التفخيخ ودفع بها في مسار آمن يحتكم إلى الحوار بلا تشنج رغم تأكيده على سودانية حلايب وشلاتين، إذا وجد الطرفان طريقاً إلى التحاور حول هذا الملف وتفريغه من عوامل الانفجار والاشتعال فإن خيراً كثيراً سينهم به الشعبان، (حلايب أو حبائب) خياران لا يليقان بعمق العلاقات بين البلدين هي ليست تاريخ ولا أزلية فحسب هي إستراتيجية وحتمية ومصيرية تقتضي التفكير ببعد نظر يستوعب المستقبل ومتغيراته. النتائج التي أسفر عنها لقاء بروف غندور في مصر وما صدر بعد ذلك من تصريحات يؤكد أن الدبلوماسية ما زالت قادرة على صناعة المواقف الإيجابية لمصلحة البلدين، نعم السودان لا يأوي عناصر من جماعة الإخوان المسلمين التي فقدت الحكم في مصر هذه حقيقة وانه يسعي إلى حل قضيتي حلايب وشلاتين عبر الحوار، هذا موقف فيه كثير من التعقل والمراعاة لخصوصية علاقات البلدين. نزلات أرض الكنانة هذه الأيام ويبدو أن الأزمة قد انقشعت بالفعل لم ألمس أي إجراءات استثنائية بحق السودانيين، القلوب مفتوحة وابتسامات المصريين وبشاشتهم حاضرة كالعادة في خدمة (ابن النيل)، لا أثر يذكر لحالة الاحتقان الأخيرة وسحابة الخلافات التي بالإمكان القول إنها انقشعت تماماً. تعافت العلاقات تماماً وتجاوزت مربعات نتمني ألا تعود. على البلدين البدء من هذه النقطة ومن العبارات التي تعجبني في حوار أجريته مع الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي العام الفائت (مش عاوزين خلافات كفاية اللى راح)... القاهرة بدأت تتعافي وهذا مما يفرح كل زائريها، مازلات تتشكل من دوامة التحديات والابتلاءات فتخرج ناضجة واعية. نتمنى أن تسهم القمة القادمة بين البشير والسيسي في إرساء دعائم علاقة إستراتيجية حقيقية تحتفي بالمشروعات والمصالح ولا تعول على الإكلشيهات والشعارات، علاقة تعزز حسن الظن المتبادل وتقفز فوق كل التحديات، نتمناها قمة لتشييع الهواجس ومغادرة مربع الخلافات إلى غير رجعة. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 2016/1/12م