لن يكون البرلمان الجديد، نمرا من ورق كما توصف حالة البرلمان الذي يفشل في إحداث تأثير حقيقي على الوضع السياسي ويكتفي أعضاؤه فقط ب»الضرضرة» في وجه وزراء الحكومة، وذلك لسبب سهل؛ وهو أن البرلمان الذي التأمت اشغاله أمس بجلسة اجرائية لن يكون نمرا في الأساس في مواجهة الحكومة، إذ ينتمي غالبية أعضائه إلى شريكي نيفاشا، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، كما يشمل تمثيلا يكاد لا يذكر لبعض ألوان الطيف السياسي التي ابرمت اتفاقات أخرى، مثل اتفاق القاهرة واسمرا وأبوجا. فقد تمخضت الانتخابات الأخيرة عن فوز كاسح للمؤتمر الوطني في كل مستويات الانتخابات في الشمال، وكذلك الأمر بالنسبة للحركة الشعبية فى الجنوب، بالتالي ينتفي فى المجلس المنتخب تمثيل حقيقي لما يمكن تسميته بمعارضة برلمانية. ويبقى السؤال إلي اي مدي ستختلف تجربة البرلمان المنتخب عن سابقه المعين، وكيف سيؤدي دوره الرقابي والتشريعي بفعالية فى غياب تمثيل الرأي الآخر الذي لا يمثله غير ثلاثة نواب أحدهم الدكتور إسماعيل حسين فضل عيسي عن حزب المؤتمر الشعبي الذي لم يحصل الا على ستة وعشرين صوتا في تنافس لرئاسة المجلس مقابل ثلاثمائة وثلاثة وثمانين صوتاً أحرزها احمد إبراهيم الطاهر عن حزب المؤتمر الوطني، وبرئاسة الطاهر للبرلمان تنتهي الشائعات التي كانت تدور بشأن انتقال نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه لرئاسة البرلمان والتخلي عن منصبه الحالي في اطار التسوية القادمة لأزمة دارفور. وعن اثر غياب التمثل الواسع لالوان الطيف السياسي فى اداء المجلس المنتخب لدوره التشريعي والرقابي علي الجهاز التنفيذي، يقول البروفسيور الامين دفع الله، الذي تم انتخابه للمجلس القادم ضمن قائمة المؤتمر الوطني، إن هناك اصوات معارضة داخل البرلمان لكنها ليست كثيرة، وأعرب عن أمله في ان تكون هذه الاصوات المعارضة قوية، مؤكدا أنه ستتاح لها فرصة كاملة لابداء الرأي، واستبعد حدوث تشاكس في المجلس الجديد، لكنه قال إن البرنامج المطروح سواء كان فى الجهاز التنفيذي او التشريعي يمثل رأي الحزب وهذا لا يعني ان كتلة المؤتمر الوطني فى البرلمان سوف تبصم على كل ما يأتيها من الجهاز التنفيذي، وأضاف: سوف نكون عيناً ساهرة لكي ينفذ البرنامج كما وعدت به قيادة المؤتمر الوطني الشعب السوداني. والجدير بالذكر ان الهيئة التشريعية القومية (البرلمان) تتكون من كل من البرلمان ومجلس الولايات وهى الجهة التى سيقوم الرئيس البشير امامها بأداء اليمين الدستورية رئيسا للبلاد يوم الخميس المقبل. ومن الوجوه البارزة التي أدت القسم نوابا في البرلمان، الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية، والسياسي المثير للجدل الدكتور نافع علي نافع، ومدير الامن والمخابرات السابق ومستشار رئيس الجمهورية الحالي الفريق صلاح عبد الله (قوش)، ووزير الخارجية السابق الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل، ووزير العدل السابق محمد علي المرضي، ورئيس نادي المريخ الرياضي جمال الوالي. وجدير بالملاحظة، أن حزب المؤتمر الوطني الذي تعتبر الحركة الاسلامية رافده الأساسي، دفع بمعظم القيادات التي تمثل الحركة في صفوفه الى البرلمان، وحصل حلفاؤه من أحزاب «حكومة الوحدة الوطنية» على عدد أقل بكثير من المقاعد التي حصلوا عليها في البرلمان السابق، وانخفض عدد نواب الحركة الشعبية من (148) نائباً الى (97) نائباً، مما يثير استفهامات بشأن حرص المؤتمر الوطني على دواعي السيطرة الكاملة على مقاعد البرلمان. لكن بعض المراقبين يشيرون الى أنه ربما تنشأ معارضة من صفوف نواب المؤتمر الوطني، الا أن البروفسيورالأمين دفع الله يستبعد مثل هذا الاتجاه، ويقول ان نواب البرلمان سيكونون حريصين على الدفاع عن تنفيذ برنامج الحزب لمصلحة الشعب، معتبرا أن هذه الحالة ليست معارضة وإنما تقويم لأداء الحزب والجهاز التنفيذي. ويبدو لافتا، أن البرلمان الحالي سيغيب عن دورته هذه، نواب ما يعرف بالتجمع الذين انخرطوا في البرلمان السابق بالتعيين بناءً على اتفاقية القاهرة بين الحكومة والتجمع الوطني، كما يغيب عنه عدد من نواب الحركة الشعبية من بينهم صاحب الصوت العالي وأكثرهم مشاكسة ياسر سعيد عرمان المرشح السابق للحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية. وبعد أن باتت هذه هي المعادلة التي يقوم عليها البرلمان، فإن توقعات بأن يكون للبرلمان الجديد دور فاعل في المرحلة المقبلة، تصبح امرا مستبعدا، بحيث يفترض أن يتناغم البرلمان مع الاجهزة التنفيذية في الحكومة، بإعتبار ان الغالبية من النواب يمثلون الحزب الحاكم في الدولة، أي ان المؤتمر الوطني صار هو السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد. ومن المهام الرئيسية للبرلمان، تشريع القوانين، الا أن كافة القوانين المثيرة للجدل قد أجازها البرلمان السابق بما فيها قانون الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان، وهذا القانون مثل حالة نادرة في التاريخ الدستوري للسودان، حيث أعيد للبرلمان للمصادقة عليه للمرة الثانية بعد رفض شديد اللهجة من الحركة الشعبية وبعض النواب الجنوبيين في المجلس السابق. بيد أن هذا البرلمان لديه مشغوليات أخرى أيضا، إذ قال الأستاذ احمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس بعد انتخابه أمس، إن البرلمان سيكون من اجل وحدة البلاد وأمنها واستقرارها وسيعمل علي تنفيذ ما تبقي من مطلوبات اتفاقية السلام المتمثلة في قيام الاستفتاء للمحافظة علي وحدة البلاد، وتعهد الطاهر ببسط الشورى والحوار والعدل لأجل إنجاز مهمة التكليف وتمكين النواب جميعا والمجلس من الإطلاع بمسؤولياتهم في هذا الظرف التاريخي للبلاد، وذكر ان المجلس سيعمل علي تعزيز علاقات البلاد الخارجية بالتركيز علي علاقات المجلس مع رصفائه من المجالس بالدول الشقيقة والصديقة. ومن المهم الاشارة الى أن القضايا المتعلقة بالوحدة والسلام في دارفور، سيكون حسمها في غالبيتها خارج قبة البرلمان، بما فيها ترتيبات ما بعد الاستفتاء، حيث يمكن لشريكي نيفاشا، الاتفاق على القضايا العالقة بينهما في اروقة الاجتماعات المغلقة وطرحها على البرلمان للاجازة فقط. ويقول في هذا الخصوص القيادي بالحركة الشعبية أتيم قرنق ان الشريكين لم يتوصلا حتى الان الى اتفاق حول أعضاء المفوضية، وأشار إلى أن اتفاق الشريكين بهذا الخصوص سيُعرض على البرلمان القومي للموافقة. وعلى صعيد الترتيبات الفنية يُرجح أن تقلص لجان البرلمان البالغ عددها في المجلس السابق (20) لجنة الى (14) بدمج دمجت عدد من اللجان في لجنة واحدة، كلجان الزراعة والمياه والاراضي. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 25/5/2010م