الجولة التي قام بها السيد رئيس الجمهورية، إلى ولايات دارفور من أول ابريل وحتى الخامس منه، يمكن قراءتها من أوجه شتى، والنظر إليها بعين الفحص والتتقييم والمقارنة، والخروج منها بتحليل المشهد السياسي العام في الإقليم الذي أثار جدلاً طويلاً في تأريخ السودان الحديث، خاصة بعد العام 2003م، حيث اكتملت أركان المؤامرة التي سعت لها جهات ذات مصلحة ورغبة في أن تمسك السودان من خاصرته، وتضغط عليه لتؤلمه حتى لا يذهب بعيداً في الفكر التحرري، والنزعة الوطنية، والعودة إلى الجذور، في عالم يعيش وهم القوة لا القيم، وإن مصفوفة الدول الضعيفة أو (العالم الثالث) كما تسميه، يجب أن تكون محض أدوات في تفاعلية السياسة الدولية، وتوجهات حكومة العالم (الخفية والظاهرة) لأنه بات من المعلوم أن مشروعات السيطرة والاستحواذ على مقدرات الشعوب وأفكارها وعقائدها، تُصنع في أقبئة أساطين الفكر والتخطيط لقيادة العالم وإعلاء القيم التي يعتقدونها، وهدم كل ما يصادم آراءهم بوسائل وأدوات شتى لا تستثني العملاء من داخل الوطن المستهدف، وبالطبع لا يعجزها أن تصنع لهم قضية، وتقيم لهم حجة، وإن لم تكن موجودة أصلاً، وفي حال وجودها يتم تضخيمها وتفخيمها حتى تكون واجهة لإدارة الصراع من خلفها. وهذا ما حدث لدارفور، التي يجد المدققون في متابعة خيوط أحداثها أن بعض الدول الأوروبية قد تبنت (شخصيات) منذ عقود من السنوات، وظلت تعدها حتى ظهرت أخيراً على خشية مسرح دارفور تؤدي أدوارها وبإتقان شديد. وأن لفيفاً من المنظمات وأجهزة الإعلام (المسخرة) قد طرأت هكذا على المشهد اتفاقاً مثل هجرات الجراد (المبرمجة)، لتملأ الأُفق بالنواح والأحزان، وتستحث العالم (لإنقاذ دارفور) والقصاص من الحكومة التي كان كل جُرمها أنها كشفت الغطاء عن المكر والتدبير، وقطعت الطريق، وأنهت مشروع (الحلم) بإعادة هيكلة الدولة السودانية، في الجغرافيا، والسياسة، والمجتمع، والثقافة، والمعتقد، حتى تكون مثل الجثث مجهولة الهوية، تبقى مشروعات (للتشريح، والتشليح) بقصد المعرفة والتجريب، والترفيه. والحكومة تستحق العقاب، لأنها أوقفت هذا المشروع بعد ما قطع أشواطاً بعيدة، واستنزف أموالاً طائلة، ولذلك كانت ورقة الإدعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية والتي تولى كبرها مجلس الأمن (شخصياً)، وخرج من وقاره حاسر الرأس من غطاء القانون والشرعية، يلاحق دولة ليست عضواً في هذا التجمع (ميثاق روما)، وبالتالي فهي خارج مداه وتأثيراته. نعم، كل هذا وزيادة، يدخل في المواجهات والمعارك الظاهرة والخفية لخلع (باب دارفور) واقتحام البيت السوداني الكبير لإنفاذ الجريمة. الزيارة التي ابتدرتها الفاشر بخروجها (الجهير) واستقبالها الحافل، ووجهها الطليق والمليح، وأجوائها الاحتفالية، وملامح التفاعل الإيجابي مع أُطروحات الحكومة, والرضي بالقسمة في السلطة والثروة والخدمات، وتدشين بعض مشروعات الخدمات بين يدي الزيارة، ومن ثم اللقاء التفاكري (النوعي) الذي تمّ من قيادات مجتمع الولاية من الرسمين، والشعبيين، والإدارة الأهلية، حيث أعيدت قراءة كتاب الإنجاز بحضرة الوزراء المخصين، كلٌّ في ما يليه، الأمر الذي أوضح معالم الصورة تماماً، وأزال غشية الشك لمن اعتراه الشك، من فرط ما تقوله المعارضة وتزيده من من التهميش المتعمد لإنسان دارفور، والمظالم التي ارتكبتها الحكومة في حقه (كأن بين الحكومة وإنسان دارفور ثأر)، وهكذا تنافست بقية الولايات بالحفاوة في عواصمها (الجنينة، نيالا، الضعين، زالنجي) في التأييد للحكومة, والتأكيد على حسن قيادة الرئيس، وفعالية الحكومات، وتواصلها مع الجماهير, ووجود قضايا ومشتركات أساسية تجمع الناس، وتحيي فيهم هذا التنادي والتنافس, خاصه أمر (الاستفتاء، ما بين إقليم واحد، أو ولايات) كما هي الحال الراهن، وما وراء ذلك من أسباب منطقية ومشروعة، وكذلك ما يخفيه خيار الإقليم من شك وريب في ما هي الفائدة من إعادة الإقليم القهقري إلى حال إداري سابق! أثبت صعوبة إدارة إقليم بهذه المساحة الشاسعة من مركز واحد (قصي) في أعلى شمال الإقليم. الزيارة أوضحت واختبرت مدى (الأمن) الذي تتمتع به دارفور، خلافاً لأوقات سابقة، كانت التحركات فيها محكومة بالحذر والتوقعات ملؤها الخوف، أما الآن وخلال هذه الزيارة التي طافت الولايات الخمس، وتحركات الحشود من القرى والمدن إلى عواصمالولايات، مما يشهد لنجاح حملات القوات المسلحة التي قادتها خلال الفترة الماضية في القضاء على التمرد، وضربه في صميم مفاصل قوته, وإقصائه تماماً من الإقليم، وإلا فإن التمرد كان أجوح الفئتين لإثبات عكس ما تدعيه الحكومة، بأن يقود عمليات نوعية تفشل زيارة الرئيس، بل ويهدد الزيارة نفسها بالهجوم مثلاً على القوافل، أو الجرأة لتهديد هذه العواصم، التي تبدو أهدافاً (رخوة) خلال هذه التجمعات البشرية الضخمة، كما كان يمكن للتمرد (حال وجوده) أن يفشل عمليات التسجيل في قوائم الاستفتاء التي طافت قرى وفرقان الولايات، وحتى معسكرات النزوح. بهذه الزيارة المفصلية في تأريخ ولايات دارفور، يكون الوضع الإداري القائم الآن قد أخذ أو (في طريقه لأخذ الطابع الدستوري) من خلال نتائج الاستفتاء الإداري، الذي سيبدأ غداً الإثنين بإذن الله. وعليه سيكون القضاء والمصيبة قد حلت برحال التمرد، الذي طالما سعي للسيطرة والاستحواذ على إقليم دارفور والتحكم في مصائر المكونات الاجتماعية التي ناصبته العداء، ولم تمش معه مشوار العقوق والتمرد. الزيارة وجهت الضربة القاضية للتمرد، حيث ختم السيد الرئيس (ألا تفاوض، ولا مهادنة). وحقاً زيارة ناجحة.. السيد الرئيس نقلاً عن صحيفة اليوم التالي 10/4/2016م