الاستقبال السعودي البارد للرئيس الأمريكي باراك أوباما كان تتويجا لحالة عالقة من التوتر منذ فترة طويلة بين الولاياتالمتحدة والسعودية ولكنها بدأت في الظهور على السطح على مدار السنة الماضية. الخلافات الأمريكية السعودية برزت في العام الماضي، ومن المرجح انها ستمتد إلى فترة ما بعد أوباما لتترك تحديا لخليفته، وعلى حد تعبير السناتور بوب كروكر من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ فالعلاقات الأمريكية السعودية في الوقت الحاضر ليست بالتأكيد كما كانت قبل عامين. لم يجتمع العاهل السعودي الملك سلمان مع أوباما في المطار في خطوة تبتعد عن البروتوكول وتصل إلى حد الازدراء، وقد كان هذا الغياب رمزا واضحا للعلاقات المتوترة بين البلدين ما اضطر البيت الأبيض للوقوف في حالة دفاع. أوباما بدوره أصر على ان الخلافات الأمريكية السعودية ليست جديدة بالضرورة ولكنه اعترف بوجود «خلافات تكتيكية» حول بعض القضايا في عهده في حين قال السفير الأمريكي الأسبق في السعودية روبرت جوردان ان العلاقات بين البلدين كانت تتأرجح دائما على مدار السنوات الماضية بين صعود وهبوط. وفي الآونة الأخيرة، عانت واشنطنوالرياض من تداعيات محاولات التدقيق بمزاعم وادعاءات حول تورط سعودي في هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر والسنوات اللاحقة للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 كما برزت شائعات مقصودة حول دعم مفترض للسعودية لأعضاء تنظيم القاعدة، والأنكى من ذلك كله، دارت تشريعات في الكونغرس تسمح لضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة المملكة ناهيك عن محاولة نشر 28 صفحة سرية من تحقيقات للكونغرس في عام 2002 في هذا الشأن. وقد عارضت إدارة أوباما هذه التشريعات، واصطفت مع الرياض في هذه المسألة ولكنها ابتعدت كثيرا عن السعودية في الكثير من القضايا الأخرى، واستخدمت إدارة واباما لغة أقل دبلوماسية وودية نحو السعودية والدول الخليجية مقارنة مع الإدارات الأمريكية السابقة. ففي مقابلة مع «اتلاتنتك» نشرت في الشهر الماضي، أشار أوباما إلى السعودية ودول الخليج بوصف «الركاب بالمجان» قائلا انها غير مستعدة لتأمين مناطق فوضوية مثل ليبيا ما أثار غضب الكثيرين في السعودية. العامل المهم في توتر العلاقات وفشل الزيارة الأخيرة لأوباما إلى السعودية كان بلا شك الاتفاق النووي مع إيران، فالسعودية ترى ان الصفقة ستشجع طهران فقط على مزيد من النفوذ في المنطقة، وفسر كثيرون في الرياض التوقيع على الاتفاق كدليل على ان واشنطن تبحث بالفعل عن بديل لها في الشرق الأوسط. ووفقا لوجهة نظر السيناتور كروكر فإن القضايا الخلافية بين البلدين موجودة منذ فترة طويلة ولكنها طفت على السطح مؤخرا، مشيرا إلى ان الوقت قد حان بالفعل لكي تشعر السعودية انه لا يمكن الاعتماد على الولاياتالمتحدة في كل القضايا. الخبراء الأمريكيون وصفوا جولة أوباما الأخيرة إلى السعودية وألمانياوبريطانيا بأنها محاولة كبيرة للسيطرة على الخسائر ولكن النتائج كانت مخيبة للآمال حيث لم يتم استقبال أوباما بمودة في الرياض وبدون عشق في ألمانياوبريطانيا، فالعلاقات الأمريكية مع هؤلاء الحلفاء وصلت إلى مرحلة متعثرة جدا، وباءت محاولات السيطرة على الأضرار بالفشل لأن أوباما لم يفعل أكثر من المحاولة. ففي السعودية لم تنفع محاولات أوباما الفاترة في تهدئة مخاوف وغضب دول الخليج العربي من الاتفاق النووي مع إيران ولم تفلح زيارته الرسمية في التكفير عن انتقاداته العلنية الأخيرة للسعودية، وفي لندن، لم تنجح محاولاته المستمرة لنسيان تعليقاته حول السياسة الخارجية البريطانية، وفي ألمانيا، واجه أوباما مزاجا مناهضا للولايات المتحدة بسبب استمرار شعور المرارة من قضية تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على برلين. أوضح أوباما بلا جدوى وجهة نظره الخاصة في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في 10 دواننغ ستريت، وتناول الغداء مع الملكة اليزابيث وحاول إقناع الشبان في بريطانيا في قاعة المدينة بالبقاء في الاتحاء الأوروبي ولكن دعواته وتصريحاته لم تقابل بحرارة لائقة، وفي الواقع، فقد ذكرت الزيارة أبناء لندن أكثر بتعليقات أوباما العدوانية حول عدم مساهمة بريطانيا بشكل عادل في حلف شمال الأطلسي مع تهديد بإلغاء «العلاقة الخاصة» بين بريطانياوالولاياتالمتحدة إذا لم ترفع لندن حصتها المالية ناهيك عن لوم رئيس الوزراء البريطاني على «الفوضى» في ليبيا. وينظر غالبية الشعب الألماني بازدراء للسياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل عام وهم لا ينظرون بإيجابية تجاه الولاياتالمتحدة، أما الساسة في برلين فقد طالبوا بصراحة عبر رسالة إلى أوباما بعدم التدخل في الشؤون السياسية المحلية. مهمة أوباما لم تتوقف عند حد محاولة التصدي لهذه الرؤية السلبية، بل كانت منصبة على التخفيف من أضرار قضية التجسس، واتسمت نتائج محاولات الرئيس الأمريكي بخيبة الأمل، ومن الواضح ان ألمانيا التي استقبلت أوباما في صيف 2008 بحشد هائل من المؤيدين على بوابة براندنبورغ لم تعد البلاد نفسها، والفضل بالطبع يعود لأوباما. المصدر: القدس العربي 1/5/2016م