وجود معارضة في أي منطقة في العالم هو شيء إيجابي ويساعد الدولة ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي في عملية التطوير والتحديث، وهي أيضاً ركيزة أساسية في خلق مجتمع قائم على التعددية واحترام الحريات والرأي الآخر، وبالتالي يزيد من فرص بناء دولة عصرية مواكبة للدول المتقدمة. طبعاً هذا كلام نظري بحت ولا يمت لواقعنا بأي صلة ولا يحبذه الكثيرون ولا حتى صاحب هذا المقال، لأن ما نشاهده وللأسف عكس ذلك تماماً، فنحن نعيش في عصر التناقضات، من يطالب بالديمقراطية ويتشدق بها وهي السبب الرئيسي لوجود معارضته، تجده يحتكر السلطة داخل حزبه ويصادر الرأي الآخر ويمنع النقد ، ولا يأبه بمصالح الوطن إذا ما تعارضت مع مصالحه الخاصة أو مصالح حزبه الضيقة، ويعملون عكس ما يدعون.نحن لا ننكر لما للمعارضة من حق في المساهمة في إدارة شؤون البلد، لكن ممارسة هذا الحق يجب أن يكون في أطر ما كفله الدستور والقانون، بعيدا عن التحريض على ممارسة العنف أو التخريب أو التعطيل أو عرقلة مشاريع الدولة التي تخدم الصالح العام، وذلك بهدف الإيقاع بها من أجل تمرير أجندات غير واضحة أو تلك التي يحوم حولها الشك.فنحن في بلد يحتضن الجميع، ووسائل التعبير متاحة ومتعددة، والدليل على ذلك تعدد الصحف المحلية ومساحة ما تمتلكه من حرية في إبداء الآراء بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها، ومع ذلك تجد أحياناً بعض الأقلام لا تنفك عن طرح الأفكار المتطرفة والسطحية التي لا ترتبط بواقع الحال وما نحن بأمس الحاجة إليه في الوقت الحاضر، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على سلبية التفكير وشح في الأفكار البناءة لدى هذه الفئة التي تدعي بأنها معارضة، وهي في الحقيقة لا تفقه في أبجدياتها ولا واجباتها ولكن مفهوم المعارضة لديهم محصور في مقولة "الخلافة هي أساس الخلاف"، وهذا بالطبع بعيد كل البعد عن المعنى الحقيقي للمعارضة المتمثلة في القدرة على تقديم الحلول والبدائل للقضايا المختلف عليها مع الدولة، بما لا يتعارض مع مصلحة الوطن العليا. ولا يختلف اثنان على أن للمعارضة حق ممارسة معارضتها لبعض خطط الدولة التي يكون لها رأي آخر فيها ، لكن ما لا نقبل به أن يكون ثمن نجاح المعارضة هو العبث بمصالح المواطن، أو إفشال الخطط العامة للدولة ذات المردود الاقتصادي بشكل خاص الذي يعود بالنفع على الجميع. وأكاد أجزم بأن الكل قادر على إحداث التغيير على مختلف المستويات، من خلال تقديم البرامج الحقيقية والأفكار الجديدة المرتبطة بشكل أساسي بهموم الناس ومشاكلهم وتحقيق طموحاتهم بعيداً عن التشكيك وإثارة الفتن.فالبلد بحاجة إلى كوادر مؤهلة علمياً وفكرياً وعلى قدر من الوعي تساعد على اكتشاف مكامن الخلل وأوجه القصور في الدولة، ومحاولة تقديم البدائل بشكل سلمي وحضاري يعكس الممارسة الحقيقية للديمقراطية، لأن الديمقراطية لا تأتي إلا بمزيد من الديمقراطية. وكفانا تذمراً على اللبن المسكوب وحان الوقت لاستغلال كل طاقاتنا المهدورة ما بين شعارات وبيانات وتوجيهها نحو العمل برقي تجاه هذا الوطن. المصدر: اخبارالخليج 10/6/2010