تبقت فقط ستة أشهر وعدة أيام، على حق تقرير مصير شعب جنوب السودان المنتظر في أبريل القادم، وحتى حلول اليوم الموعود، تتوقف عجلة التاريخ في انتظار ما ستسفر عنه عملية الاستفتاء التي تتقاذفها حتى الآن أمواج كثيرة جميعها تأتي من خارج حدود (المليون ميل) المرشحة للانقسام والتجزئة. المشهد غير واضح المعالم كما أن ثمة عتمة كثيفة تظلل رؤية دعاة الوحدة، يقابلها تقدم ملحوظ من قبل دعاة الانفصال في الشمال والجنوب. فالوحدة حسب هؤلاء أضحت من الماضي وقد ولي هذا الماضي حسب باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي يبدو أنه وحركته قد حزموا أمرهم تماماً وانخرطوا في الترتيب لإعلان دولتهم الجديدة والتي وجدت المباركة والاعتراف المبدئي من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أكدت نائب رئيسها جو بايدن على أنهم سيعترفون بالدولة الوليدة في جنوب السودان فور إعلانها عقب إعلان نتائج استفتاء الجنوب في أبريل القادم. ولم يكتف بايدن لدي لقائه الأربعاء الماضي في العاصمة الكينية نيروبي برئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت باعتراف دولته بل مضي لأكثر من ذلك ليتعهد بتهيئة دول الجوار السوداني والأفريقي لانفصال الجنوب وضرورة الاعتراف بالخطوة اذا ما تمت . هكذا كان وعد بايدن الذي دفع به لسلفاكير وحركته، وسرعان ما أوفي الرجل بما وعد في نيروبي قبل أن يستقر سلفا في جوبا في إعقاب عودته من رحلة الأعتراف الأخيرة، فقد قام الأمريكان بترتيب فرصة استماع للحركة الشعبية في مجلس الأمن الدولي الذي سيخصص الجزء الثاني من جلسته اليوم الاثنين للاستماع لتقارير عن سير اتفاقية السلام والأوضاع في السودان حسبما يبين ذلك جدول أعمال المجلس في موقعه على الشبكة العنكبوتية والذي يضع الملف السوداني كبند ثاني في جلسة اليوم بعد الجلسة الإجرائية المخصصة لتحديد الأجندة مباشرة. جدول أعمال المجلس لم يورد أي تفاصيل عن جلسة اليوم ليشير بتعميم الى أنها مخصصة لمناقشة الأوضاع في السودان من قبل سكرتارية المجلس، الا أن الحركة الشعبية تشير الى ان الجلسة قد خصصت لها للحصول علي ضمانات من المجلس بالاعتراف بدولة جنوب السودان الجديدة وفقاً لباقان أموم الذي أبان في تصريحات صحفية أمس الأول من نيويورك انه يعتزم مخاطبة جلسة مجلس الأمن الدولي اليوم والتي يخصصها لأوضاع السلام في دارفور واستفتاء الجنوب ولأخذ ضمانات من الدول الأعضاء بالاعتراف بالدولة الجديدة والمساعدة في إجراء الاستفتاء في موعده المحدد، كما لم ينس باقان الذي سيتحدث اليوم في مقر مجلس الأمن بنيويورك أمام ممثلين لدول (اوغندا، البرازيل، البوسنة والهيرسك، تركيا، الصين، غابون، فرنسا، لبنان، المكسيك، المملكة المتحدة، النمسا، نيجيريا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، واليابان) أن يلوح لشركائه في الخرطوم والذين تقبلوا انباء سفره الى نيويورك بهدوء وتحفظ كبير بأنه سينقل لاعضاء المجلس رؤية الحركة التي تقوم على استحالة تحقيق الوحدة مع الشمال بعد فشل حكومة الخرطوم في جعل ذلك ممكناً. اذاً هي شكوى عالمية من الحركة الشعبية ضد شريكها في الحكم، سيصدح بها باقان اليوم في بهو مجلس الأمن الدولي لعدة دقائق وسيتداولها الاعضاء الخمسة عشرة فيما بعد لمدة قد تتجاوز هذه الدقائق المعدودة بكثير، لكنها بلا شك ستسهم في دفع إجراءات الاستفتاء وقيامه في موعده كما يري ايزكيل جاتكوت ممثل حكومة جنوب السودان في الولاياتالمتحدة، مشيراً في حديثه للصحفين بواشنطن امس الى أن اموم لن يكتفي بالإدلاء بشهادته أمام مجلس الامن فقط بل سيتبعها بشهادة (انفصالية) أخرى الخميس القادم أمام الكونغرس الأمريكي في جلسة ستخصص هي الاخرى لمتابعة سير عملية السلام الشامل والاستعداد لاجراء استفتاء جنوب السودان. بيد أن تساؤلات عديدة تثور فور صعود أموم لمنصة مجلس الأمن ظهر اليوم، أبرزها بأي صفة حكومية يتحدث الرجل امام مجلس الأمن الذي يقتصر تمثيله على الحكومات والدول ولا يعترف بتمثيل الأحزاب كما يمضي الى ذلك الدكتور حاج حمد محمد خير وهو باحث استراتيجي ومحلل سياسي يتساءل حول دواعي مثول أموم أمام مجلس الأمن في ظل وجود بعثة دائمة للسودان بالأمم المتحدة، ويرجح حاج حمد ان يكون الرجل قد منح الفرصة من قبل أصدقائه مثل سوزان رايس ممثلة الولاياتالمتحدةالأمريكية في المجلس، مشيراً الى أن خطوة باقان تبدو غريبة وتثير العديد من التساؤلات لغرابتها وعدم ملاءمتها لقواعد وتقاليد الدبلوماسية العالمية، بالمقابل لا غرابة في الأمر بالنسبة للحركة الشعبية التي تشير الى أن الخطوة طبيعية وتأتي في إطار حشد اعتراف دولي بالحكومة التي ستتمخض عن عملية استفتاء تقرير المصير بعد نحو ستة أشهر من الآن، كما أن ممثل حكومة الجنوببالولاياتالمتحدة السيد جاتكوث سيرافق أموم خلال جولته في مجلس الأمن اليوم وبعد يومين في مباني الكونغرس الأمريكي. وعلى العكس تماماً من شهادته أمام مجلس الأمن تبدو شهادة أموم وحركته امام الكونغرس غير غريبة بالنسبة لحاج حمد الذي يري في حديثه ل (الحقيقة) أن باقان أموم وكيل رسمي للوبي الكنسي والجناح اليميني في البلاك كوكس، كما أنه يقوم بإسداء خدمات جليلة لأصدقائه بالكتلة لذلك فان إطلالته من ردهات الكونغرس تبدو عادية حسب حاج حمد الذي يستدعي إطلالة أموم السابقة من ذات مباني المؤسسة الدستورية الأولي في الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما طالب حينها بعدم رفع العقوبات الأمريكية عن السودان مشيراً الى أنه ووفقا لكل هذه التصريحات يبدو غير ملتزم بروح اتفاقية السلام ويتصرف في كل مرة على أنه أجنبي الأمر الذي يستدعي طلب توضيح من الحركة الشعبية حول أنشطة باقان التي يصفها حاج حمد بالمشبوهة. وعلى الرغم من أنها المرة الأولي التي تعلن فيها الحركة الشعبية تصعيد حلمتها داخل مجلس الأمن لأجل قضية الاستفتاء الا ا، الطرف الآخر قد أزهر تململاً كبيراً من الخطوة، حيث أعلن المؤتمر الوطني أمس رفضة لتحركات الحركة في أروقة مجلس الأمن, لينتقد دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في الخطوة متهماً لها بتشجيع الحركة على الانفصال، كما لم يسلم مجلس الأمن الدولي كذلك من هجوم الوطني الذي أتي هذه المرة من حاج ماجد سوار وهو قيادي يعد ضمن قائمة المتشددين في الحزب، حيث أبلغ حاج ماجد الصحفيين أمس في الخرطوم أن خطوة مجلس الأمن بسماحة لباقان وغيره من أعضاء الحركة بالتحرك وسط الدول الأعضاء بالأمم المتحدة تمثل تهديداً لوحدة السودان وخروقاً للمواثيق والقوانين الدولية. لينه إلى أن واشطن ظلت تبعث بإشارات سالبة الهدف منها تشجيع الحركة على الانفصال، مستدلا بخطوة الحركة اليوم في نيويورك والاجتماع الذي ضم جون بايدن وسلفاكير ميارديت في نيروبي قبل عدة أيام، مشيراً الى أن الأخير قد التقي بايدن بوصفه رئيساً لحكومة الجنوب لا نائباً للرئيس السوداني الأمر يبعث بإشارات سالبة. ويمضي حاج ماجد مبيناً أن خطوة الحركة الشعبية والولاياتالمتحدة باتجاه ما يدعو لانفصال السودان يعد خرقاً صريحاً لاتفاقية السلام التي تدعو الى تشجيع خيار الوحدة، مضيفا ان ما تقوم به واشنطن خطير جداً ويجد كل الرفض من قبل المؤتمر الوطني، منوهاً إلى أنهم ظلوا ينبهون قيادة الحركة الشعبية دائماً إلى أن اتفاقية السلام تنص صراحة على الوحدة، وان أي سلوك مخالف لهذه الروح مرفوض تماماً. وان كان الأمر مرفوض تماماً او ان فيه سانحة للقبول والمحاصصة فان ما حدث قد كان وليس أمام الشريكين سوى الالتزام بقواعد اللعبة الي حين أن يقول الجنوبيون رأيهم ويقطعون قول كل خطيب في مطلع العام المقبل . والي حين ذلك الوقت يجب أن يتحلي كل من الوطني والشعبية بما يطلق عليه حاج حمد انضباطاً ضرورياً تطلبه خطورة المرحلة المفصلية من عمر البلاد. نقلاً عن صحيفة الحقيقة 14/6/2010م