تنويه: سنواصل كتابة سلسلة "رحلة تشكل الوعي الإنساني" بعد عدد من الموضوعات المتعلقة بالشئون السياسية المستجدة. { تطرقنا في بعض مقالات سابقة إلى مئات الملايين التي رصدتها المخابرات الامريكية بدعم من الكونجرس لاختراق المجتمعات العربية، وطرح العديد من الصحف الغربية سواء في الولاياتالمتحدة أو في بعض العواصم الاوروبية الحديث عن تقارير علنية أو سرية تكشف حجم المبالغ الطائلة المرصودة لاختراق الصحافة العربية واختراق العقل العربي وتغيير نمط مفاهيمه السياسية والفكرية عن طريق شراء ذمم صحفية وإعلامية وسياسية ونخبوية أخرى تقوم بعمل "الوكلاء الفكريين" لترويج (ذات اللغة وذات المصطلحات) التي تعممها المراكز الصهيونية والسفارات الامريكية على عملائها، فيما يعمل بعض آخر من الكتاب والإعلاميين العرب على ترويج مصطلحات وسياق الحملات الإعلامية المخابراتية الامريكية (سذاجة واتباعا لموجة سياسية) تقتحم العديد من وسائل الإعلام العربية، ومن دون دراية أحيانا للوقوع في فخ الاختراق المنظم ذاته الذي يتم صرف ملايين الدولارات صهيونيا لتكريسه عبر عملائه العرب. { ولقد اشرنا في أحد مقالاتنا إلى أن 75% من قوة السيطرة على العالم اليوم تتم (عبر التحكم في المعرفة والمفاهيم والافكار)، وحيث الحرب التي اعلنها (بوش الابن) لكسب العقول والقلوب، لاتزال مستمرة، لترويض العقول العربية على القبول بالتدجين والمهادنة ونفي الهوية بكل موروثها الديني والقومي والحضاري والقيمي، تحت مسمى (الليبرالية الجديدة) في الوطن العربي وتحت مسميات اخرى التي تخفي وراء مسمياتها التي تبدو براقة للبعض سموما فكرية تحاول ان تسلخ الشعوب العربية ومثقفيها عن الانتماءات الوطنية والقومية والدينية، لصالح مفاهيم الشرق أوسطية وفوضى القيم الغربية المنسلخة عن أي شكل أخلاقي بديهي أو عن أي قيم إنسانية طبيعية في الدفاع عن الوطن والانتماء والهوية حتى ان ادعى اصحاب تلك الرؤية وامثالها سلامة توجهاتهم السياسية دفاعا عن الديمقراطية والحقوق والحريات فهؤلاء شاءوا أم أبوا متصهينون حتى النخاع. { ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو عن أي نوع من الديمقراطية هم يدافعون تحديدا؟ وعن أي نوع من الحقوق؟ وعن أي نوع من الحريات؟ وعن أي نوع من الشرق أوسطية؟ هنا تأتي الاجابة مجددا لكي تعبر عن أن (سفينة ليبراليتهم) تردد كالببغاء (ذات المفاهيم والمصطلحات) التي تعوم في بحر المخابرات الصهيونية ومراكزها الاستراتيجية، وبعض أولئك الليبراليين هم "عملاء" يقبلون المكافآت أو الرشا الامريكية تحت مسميات ناعمة كدعم مراكزهم الثقافية أو الاجتماعية، أو دعم فاعليتهم السياسية الموجهة، حيث دورات التدريب الداخلية والخارجية والاسفار والندوات والمؤتمرات وورش التدريب، ولسان بعضهم يقول: ولماذا لا نستفيد من كل ذلك ثم نتصرف وفق هوانا؟ كأنهم لا يدركون انهم قد وقعوا في فخ المعونات والدعم، وبالتالي في فخ الاختراق، الذي من خلال مصطلحاته المراوغة والاساليب الملتوية يتم بها ترويض ادمغتهم وتدجين مفاهيمهم وافكارهم، ليسددوها لاحقا سهاما مسمومة الى نحور مجتمعاتهم على المستويات السياسية والتعليمية والاقتصادية والثقافية والاعلامية. { الذي يحدث عادة ان بين فترة واخرى تخرج مفاهيم ومصطلحات نجدها فجأة كالموجة العارمة التي تكتسح (في ذات الوقت) أوساط النخب العربية، وفيما يرفضها البعض الذي لا علاقة مصلحية له سواء بالدعم الامريكي أو بالتبعية للنموذج الحداثي - الاستعماري الغربي نجد ان هناك ابواقا من المتلبرلين الجدد (من الليبرالية) يرددون ذات المقولات وذات المفاهيم بل ذات المصطلحات وبشكل حرفي التي تنشرها وترددها مراكز السياسة والإعلام الغربية، ومؤسساتها البحثية الاستراتيجية كالذي حدث حين أريد تعميم مفاهيم الشرق الأوسط الجديد، والسلام مع اسرائيل، وحوار الاديان وغير ذلك. - وكمثال آخر: حين أرادت مراكز التوجيه السياسي والإعلامي في الولاياتالمتحدة ثم في أوروبا، وجميعها صهيونية، تشويه صورة المقاومة العربية في لبنان (حزب الله) وفي فلسطين (حماس وفصائل المقاومة الاخرى) وفي العراق، كانت الابواق العربية (من نخب الليبرالية الجديدة) تملأ الصحف بمقالات تضرب وتشوه تلك المقاومات، مثلما تملأ نماذجها التلفزيونية، الفضائيات بمقولات ومفاهيم التشويه والتشكيك ذاتها والغريب ان الجميع يردد ويكرر ذات المصطلحات بدقة، ولم لا والمصدر الصهيوني واحد، والتلاميذ تابعون لذات المصدر سواء (تبعية مدفوعة الأجر) أو تبعية ناجمة عن سذاجة سياسية في أحسن الاحوال؟ - مثال آخر: ما ان تم تكريس الطائفية في العراق عبر المحاصصة السياسية التي انشأها (بريمر) حتى رأينا في ذات الوقت تنشط دبابير الطائفية في أغلب الدول العربية، ذات القابلية الفادحة للفتن الطائفية... ولا أحد يسأل من وراء ذلك الانتشار وتحريك الجمر الطائفي لتندلع نارا تأكل البلاد التي يتم تكريسه فيها؟ - مثال ثالث: حين تم وضع كل من (سوريا وإيران) في اللائحة الصهيونية السوداء "الامريكيةوالغربية" باعتبارهما من "محاور الشر"، رافق ذلك العديد من المصطلحات التي تحدثت بها الرموز السياسية للصهيونية في أمريكا وأوروبا، وإذا بكتابات عربية تملأ الصحف، مستخدمة ذات المصطلحات، ومروجة لذات الصياغات السياسية والمفاهيمية لاستعداء الشعوب العربية ضدّ البلدين، رغم ان احدهما عربي وهو (سوريا) والآخر غير عربي وهو (إيران). فاذا ما هدأت العاصفة الامريكية ضدّ سوريا لأسباب موضوعية وإقليمية وان لم تنته وتحولت العاصفة الى إعصار ضدّ (إيران) وجدنا مجددا ان الصحف والفضائيات تمتلئ بكتابات تعتمد ذات لغة الاستعداء والتأجيج ضدّ إيران الى الحدّ الذي تم وصفها من جانب بعض الكتاب والنخب ب (العدو الاستراتيجي والامبريالية الصفوية) وغيرهما من مصطلحات تدسها باستمرار ماكينة الاعلام الغربي وسياسيوه، بل وأول مرة وجد (الكتاب الاتباع) فرصة سانحة للحديث عن (إسرائيل الشرق أوسطية) باعتبارها الشريك أو الصديق أو الحليف المستقبلي المؤكد في "الشرق الأوسط الجديد"، وهذا لا يمنع ان هناك كتابا يروجون لذات الحالة العدائية ضدّ إيران لمآرب أخرى وبينها منطلقات طائفية وأخرى مكشوفة. وللحديث صلة. المصدر: اخبار الخليج 27/6/2010