في تقرير لها صدر – الأربعاء الماضية – دعت منظمة هيومان رايتس ووتش حكومة جنوب السودان الى ضرورة اجراء تحقيق في التجاوزات والإنتهاكات التي شابت العملية الانتخابية التي جرت في ابريل الماضي. وقالت المنظمة أنها استطاعت توثيق حالات واضحة لهذه الانتهاكات والتجاوزات أهمها الاعتقالات غير المبررة ولا المسنودة بقانون لنشطاء سياسيين ومراقبين، ومنع حرية التجمع، وحرية ابداء الرأي الصحفي اضافة الى ما وصفه التقرير (بعمليات ترويع) قام بها الجيش الشعبي ضد المواطنين الأمر الذي شلّ ارادتهم وأخافهم. وقالت المسؤولة عن قسم أفريقيا بالمنظمة (رونا بليغال) ان من الصعب تجاهل هذه التجاوزات التي وصفتها بالخطيرة في ظل توجه الاقليم نحو استحقاق الاستفتاء المصيري الذي ربما تقع فيه ذات هذه التجاوزات في يناير من العام المقبل 2011. وطالبت المسؤولة بضرورة الزام قادة الجيش الشعبي – الذين كان لهم السهم الأوفر في القيام بهذه التجاوزات – بمحاسبة ومعاقبة الجنود الذين يرتكبون هذه الخروقات. وما من شك أن هذا التقرير الذي لا يحتاج لشرح أو تفسير هو في الواقع خير دليل على أن الانتخابات التي جرت في الجنوب السوداني، مقارنة بنظيرتها في الشمال واستناداً الى تقارير أجنبية تعتبر سيئة بكل المقاييس ومفارقة تماماً للأسس السليمة، فتقرير ووتش هذا كما نعلم سبقه تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي الذي نُشر قبله والذي أشار هو ايضاً وعلى نحو مماثل لهذه التجاوزات. ومن المعروف أن هيومان رايتس لم تتعوّد في السابق – لسبب أو لآخر – على انتقاد الأوضاع في الجنوب السوداني وكانت تركز كل جهودها وانتقاداتها على الشمال وحده ويحلو لها الحديث عن انتهاكات حقوق الانسان في الشمال. هذه المرة لم يكن هنالك من مناص لقول الحقيقة، وقد تلاحظ أن كافة المنظمات الدولية بخلاف ووتش بدأت الآن بتوجيه نقد صريح – لم يكن مألوفاً – للجنوب السوداني وحكومته، وربما كان مبعث هذا النقد مخاوف حقيقية تستشعرها هذه المنظمات جراء انفراد الحركة الشعبية باجراء الاستفتاء – على غرار ما جرى في الانتخابات العامة ومن ثم ظهور نتيجة الاستفتاء وهي (مشوّهة) الامر الذي يثير أزمة وصراعات ويعيد الاقليم الى مربع الاقتتال والحرب ويظهر تخوّف هذه المنظمات في تشديدها على ضرورة (غل) يد الجيش الشعبي والتعامل معه بصرامة شديدة، غير أن أكثر ما يثير الطمأنينة بشأن هذه التقارير أن المجتمع الدولي ومنظماته هذه ستكون شديدة اليقظة والحزم على الطريقة التي ستتم بها عملية الاستفتاء وهو ما قد يعرقل جهود الحركة الشعبية الهادفة الى اجراء استفتاء (يوافق هواها ومزاجها) ومن المؤكد أن الاستفتاء الذي جرى إحكام اجراءاته والقواعد التي سيتم على أساسها فإن الحركة الشعبية لن تبلغ ما تشتهيه!