خلال عقد التسعينات كان النظام الحاكم في السودان محاصرا إقليميا ودوليا بسبب سياسته الاستقلالية. فقد عمد الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة إلى تأليب العالم ضده بهدف عزله دوليا. من هنا كان القرار المصري باحتلال إقليم حلايب وضمه نهائيا إلى السيادة المصرية . فقد كان من الواضح حينئذ أن النظام المصري قرر استثمار عزلة السودان. الآن - وبعد نحو 17عاما - من هذا التحرك المصري اختلفت الظروف . فالنظام السوداني يحتفل الآن بالذكرى الحادية والعشرين على بقائه بعد أن صمد في وجه العداء الغربي وصار له اسم في الساحة الدولية . وعليه فإن الخرطوم قررت فيما يبدو أن الوقت صار ملائما لإعادة إثارة قضية حلايب .. مما يفسر لنا لماذا هتف الرئيس البشير قبل أيام في لقاء جماهيري قائلا إن حلايب سودانية وستبقى سودانية . ويبدو الأمر الآن وكأننا نشهد بوادر أزمة سياسية بين القاهرةوالخرطوم. والسؤال الذي يطرح إذن هو : لماذا تنشأ أزمة سياسية حول نزاع ذي طبيعة قانونية صرف .. فالقانون إما لك أو عليك بناء على نصوص محددة ؟ لأن مصر تدرك قبل غيرها أنها لا تمتلك أي سند قانوني لادعائها السيادة على حلايب . ولنعد إلى الأذهان إنه ما كان لعبد الناصر أن يأمر قبل نصف قرن بسحب القوات المصرية الاحتلالية من الإقليم لولا أن مستشاريه في القانون الدولي نصحوا له بذلك بعد أن رفع السودان القضية إلى مجلس الأمن الدولي. ولنعد إلى ما قبل ذلك. باتفاق رسمي بين مصر وبريطانيا في عام 1899 باعتبارهما دولتي الحكم الثنائي في السودان - رسمت الحدود الدولية للسودان بما جعل مثلث حلايب داخل الأراضي السودانية . هذا ما تراه إذا فتحت أي أطلس دولي. على أساس هذه الحدود الدولية دخل السودان مرحلة الحكم الذاتي في عام 1953-1954ولم يصدر أي اعتراض من القاهرة. وعلى أساس هذه الحدود أيضا أعلن استقلال السودان. وكانت مصر من أوائل الدول المعترفة بوثيقة الاستقلال السوداني في عام 1956دون اعتراض على خط الحدود الدولي بين البلدتين. رغم هذه الحقائق قامت مصر باحتلال إقليم حلايب بقرار أحادي قضى بضمه إلى السيادة المصرية . إنها سيادة غير شرعية من منظور القانون الدولي. لا معنى ولا مبرر إذن لتسييس المسألة . فالفصل فيها ينحصر في القانون. التحكيم الدولي إذن هو المخرج . فلماذا تعترض القاهرة على التحكيم الدولي إذا كانت واثقة من ادعائها ؟ المصدرك الوطن القطرية 13/7/2010