* الاستعمار الأوروبي في أفريقيا تسبب في التخطيط السيئ للحدود ، ولم يراع الاثنيات ولا اللغة ولا الدين ، وراعي فقط مصالحه ، بجانب خلقه لما يسمي بمشكلة تأسيس الأنظمة السياسية التي أفرزت عدة اشكاليات ، أهمها اشكالية بناء الدولة القومية ، واشكالية التعددية السياسية والثقافية ، بعد نيل القارة الأفريقية استقلالها . ظهرت منازعات الحدود بينهم والنزاعات الداخلية والمطالبة بالانفصال ، والحكم الذاتي ، والحكم الفدرالي . * لم تتضح معالم الحدود في السودان ، الاّ أثناء الحكم التركي المصري ، ولم تحدد بخطوط واتفاقيات الا في فترة الحكم الثنائي ، عبر حوالي 31 اتفاقية ، بخلاف الوثائق ذات الصلة . * الحدود بين السودان ومصر تحكمها اتفاقية يناير 1899م ومارس 1899م و4 نوفمبر 1902م و 1907م ، حيث بموجبه صارت الحدود بين البلدين خط 22 درجة شمال ، وعُدلت لاضافة مثلث حلايب للسودان ، ومثلث بعتزرجو لمصر ، واضافة 4094 فدانا وعشر قري في منطقة حلفا للسودان . * في عام 1958م ، حاولت مصر ضم مثلث حلايب ، وفشلت وسحبت جيشها من المثلث ، وصعَّد السودان المشكلة لمجلس الأمن «أثناء ولاية المستر داك همرشولد» في 20/2/1958م ، حيث طلب من المجلس عقد جلسة عاجلة للموضوع ، لم تعقد حتي الآن رغم تجديد السودان لتلك الشكوى سنوياً . * بعدها وفي عام 1992م ، دخلت القوات المسلحة المصرية الغازية ، حلايب وأحتلتها كاملة عدا مدينة حلايب عاصمة محلية حلايب ، في مساحة تقدر بحوالي 4 كم مربع ، من أصل المساحة الكلية التي تقدر بحوالي 20 ألف كم مربع . لم تراع مصر ، الجوار ، والعلاقات الأزلية ، والتاريخ والجغرافيا ، والقوانين والأعراف الدولية ، وعملت بمنطق القوة ، ووضع السودان أمام الأمر الواقع . * طيلة الفترة من 1992م حتي الآن ، والتي تقترب من العشرين عاماً ، فشل الحوار معها ، وتمصرت حلايب وسكانها ، وبنيتها التحتية ، ولم تخرج من وجدان الشعب السوداني ، الذي يعرف أحقيته في حلايب . سمعنا من وسائط الاعلام أن البلدين يتجهان لجعلها منطقة تكامل ، وأخيراً رسخ في الاعلام أن السودان في اطار خياراته لحل مشكلة حلايب اقترح 3 خيارات : التكامل ، علي أن تعترف مصر بسودانية حلايب ، التحكيم الدولي ، تقرير المصير باجراء استفتاء بين السكان . * لماذا حرصت مصر لاحتلال حلايب : * قبل مناقشة الخيارات ، أري بالضرورة التعرض للأسباب الرئيسية لرغبة مصر في احتلال حلايب عام 1958 ، 1992م ، وما بعدها . قطعاً لا أقصد الأسباب التي نشرتها مصر وهي معروفة ، وسبق أن فندناها ، وقلنا لو كانت مصر تري أن هذه الأسباب كافية لضم حلايب لها لما استخدمت القوة مرتين ، ولكانت ستقبل بالحوار ، والحلول السلمية والوساطة والوفاق والتحكيم . * شعرت مصر منذ فترة طويلة ، أنها ستجابه مستقبلاً بانفجار سكاني ، ولذا كما قال المرحوم محمد عثمان يس وكيل وزارة الخارجة الأسبق ، « أن مصر تريد فتح الباب أمام هجرة المصريين للسودان » السوداني 3/5/2010م العدد 1619 ، في تعليقه علي دخول الجيش المصري لحلايب 1958م . كذلك تريد مصر الاستفادة من ميناء عيذاب الاسلامي التاريخي الذاخر بالشُعب المرجانيه ، مع وجود حظيرة حيوان طبيعية بجبل علبه «علبا» . أيضاً وجود مرسي رئيسي وعدة مراسي في المنطقة . أحد الأسباب الرئيسية ، فقد رشح للمصريين أن ميناء شنعاب سيكون قاعدة أمريكية ! . كذلك تعتبر مصر أن باحتلالها لحلايب ، سوف تكتسب حوالي 200 كم تقريباً طول ساحل حلايب علي البحر الأحمر ، حيث يساوي خُمس الساحل المصري وربع الساحل السوداني ، وذلك يقرب مصر للقرن الأفريقي ، ويحقق زيادة في حقوق الصيد والملاحة ، وعمق استراتيجي أمني لمصر ، مثل تأمين السد العالي « طلب السادات من نميري السماح لمصر بانشاء 11 نقطة مراقبة بالنظر لتكون بمثابه انذار مبكر لقوات الدفاع الجوي لصد هجمات اسرائيل المتوقعة علي السد العالي بعد حرب 1973م ، وفعلاً وافق السودان وأنشأت هذه النقاط ، التي كانت بداية ونقط انطلاق تم الاستفادة منها في اكمال احتلال حلايب عام 1992م» . * أما في احتلال عام 1992م ، فكان السبب الرئيسي ، خروج السودان من عباءة مصر وأمريكا ، وتبنيهم رأيا مخالفا بالنسبة لحرب الخليج الأولي . وكان الاحتلال بمثابه ضغط علي السودان في ظل ظروف مجابهته لحرب الجنوب ، المدعومة من أمريكا ودول الجوار ، ومصر أحدهم حيث استضافت الحركة بمصر وزودتها ببعض الاحتياجات العسكرية واللوجستية . * كذلك فكرت مصر في التعامل النووى ، ولذا كانت حلايب البعيدة عن مصر ، مكاناً مناسباً لانشاء مفاعل ذرى حيث اختير له مدينة « ابورماد» المحتلة حيث تم تهجير 350 أسرة من أبي رماد لداخل السودان . خيارات الحلول المصرية : * في 1958م ، محاولة احتلال حلايب بالقوة . * في عام 1992م ، احتلال منطقة حلايب « عدا مدينة حلايب» بالقوة العسكرية ، وضمها لمصر . * القبول المشروط بالتكامل ، علي شرط اعتبار أن مصرية حلايب خط أحمر «مصر لن تتخلي عن حلايب بحكم الدستور المصري» . * «وأن تكون حلايب منطقة شراكة وليس تكامل لأن الشراكة معناها الندية والمساواة والتوازن » د. هاني رسلان ، السوداني العدد 4438 بتاريخ 28/10/2009م . خيارات السودان : * الخيار الأول ... وهو كان سابقاً ، لاتفاقية 1899م ، 1902و 1907م بسودانية حلايب ، ولكن تأكد أكثر ، منذ عام 1902م تقريباً ، ولا زال وسيظل باذن الله . * الخيار الثاني ، ونتج عام 1958م ، أثر محاولة مصر لاحتلال حلايب وبرز من خلال احتجاج السودان لدي الأممالمتحدة في 20/2/1958م وكانت خياراته التي ضمنها الخطاب هي : * الحرص علي السيادة السودانية علي أراضيه وضمنها حلايب . * أبدى السودان استعداده للتمهل في حل المشكلة سلمياً « ليس الاهمال» . * اذا لم يتم الحل سلمياً فستطور المشكلة الي مواجهة عسكرية « هذا ما حدث ... وهو مواجهة عسكرية بدأتها مصر الي أن وصلت لوجود القوتين العسكريتين في مجابهة بمثلث حلايب المحتل » . * الخيار الثالث : التكامل ، مع اعتراف مصر بسودانية حلايب . * الخيار الرابع : وهو ما رشح ونسب لنائب دائرة حلايب بالمجلس الوطني أحمد عيسى عمران أن خيارات الحكومة تتمثل في ثلاثة حلول : - تكامل المثلث بين البلدين شريطة اعتراف المصريين بأنها أرض سودانية تتم ادارتها بادارة سودانية مصرية مشتركة ويتم سحب الجيشين السوداني والمصري منها وتحل محلها شرطة من البلدين . - لجوء السودان نحو التحكيم الدولي في «لاهاي» وذلك باختيار المسلك القانوني . - اقامة استفتاء للشعب الموجود في مثلث حلايب ليختاروا الانضمام للسودان أو مصر طوعاً . ملحوظة : الحكومة السودانية أجلت حسم الملف الي ما بعد الانتخابات المصرية وتشكيل الحكومة الجديدة من خلال رؤية أطلعهم عليها وزير الخارجية في المجلس الوطني . مناقشة الخيارات : - أولاً : يجب أن نلاحظ أن هذه الخيارات نبعت من الحكومة السودانية وليس من مصر . - ثانياً : أن هذه الخيارات ستناقش بعد تشكيل الحكومة المصرية بعد الانتخابات ، أي بعد حوالي سنتين تقريباً ، لأن الحكومة المصرية لديها من المشاكل ما يشغلها عن نقاش مشكلة في نظرها محلولة « بالاحتلال والتبعية الكاملة وأن الانتخابات الخاصة برئيس الجمهورية والنواب قد تمت علي أساس مصرية حلايب » . بالنسبة للتكامل : دعونا نتحدث عن مخرجات التكامل والاخاء السوداني المصري السابق، فطيلة تلك الفترة وحتي الآن لم ينفذ علي أرض الواقع الاّ من بعض التفاهمات والبروتكولات التجارية المحدودة ، الاّ اذا اعتبرنا منحنا أراضي استثماريه لحزب الوفد والموافقه علي تهجير المصريين في السودان - من طرف واحد هو التكامل في الوقت الذي تحتل فيه مصر حلايب « أما الهدايا فانا ... أويدها ... من باب تهادوا تحابوا .. وهذا كرم سوداني لا غبار عليه ، وليكن بدون منٍ أو أذي » . كذلك واضح أن أهم ركائز هذا التعاون مفقودة وهي الأرض التي سيقام عليها التكامل ، فالأرض لم تحسم تبعيتها ، وتبعية الأرض ستحدد أحقية أحد الأطراف علي مواردها ... والموارد هي أيضاً هامة لتحديد شروط ذلك التكامل ... علاوة علي ذلك لا توجد تجربة تكامل ، في العالم الثالث أو العربي أو الأفريقي ، ناجحة ، لا سياسياً ولا عسكرياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً ، ولا فنياً . الآن تتم تجارة الحدود الجائرة بين مصر والسودان ، لأن السودان يلتزم باستيراد ما اتفق عليه من مصر وهذا طبعاً لا يشمل السلع الرئيسية ، ولكن مصر تفعل غير ذلك وتسمح بتهريب السلع الرئيسية المفترض أن تكون عبر بروتكولات التجارة بين البلدين ، وبذلك تساهم في تدمير الاقتصاد السوداني . اذن هذا الخيار ، الذي تم الترويج له من قبل كثير من المثقفين السودانيين والمصريين، دون أن يُخضع للدراسة ، فانه خيار بعيد المنال في ظل تمسك كل طرف في أحقيته في ملكية الأرض . التكامل يحتاج للندية ، والشفافية ، وتحديد الغايات والأهداف المرجوة في كل مجال مع وجود مؤشرات واضحة للنجاح والاّ فالفشل هو النتيجة المتوقعة . ملحوظة : لا زالت الحريات الأربع تنفذ بواسطة السودان وتتماطل مصر في تنفيذها . بالنسبة للتحكيم الدولي : - تعتبر النزاعات بين الدول نتاجا لتضارب القوى المختلفة علي المصالح ، لأن الأفراد والجماعات تتبني أهدافاً ومصالح غير منسجمة مع بعضها البعض . يبدأ النزاع عادة بالتشكيل ثم التصعيد فالتحسن وأخيراً التحول ، أسبابه داخلية وخارجية ، ولكن السبب الجدير بالذكر دائماً هو الأهداف الخفية التي يخفيها الطرف أو الطرفين ، ودائماً ما تكون هي التي تُصعب من امكانية حل النزاع . يكون النزاع دون عنف ، أو بعنف « حالة حلايب» وله دلالات اجتماعية وسياسية واقتصادية . أما طرق فض النزاعات فأهمها طريقة : الخطوة خطوة ، والعمل الاجرائي ، الصورة النهائية .