عندما يتحدث شخص ما في أي جلسة أو لقاء ما، ويخرج عن الموضوع مركزاً على ما هو أقل أهمية، ويجنح إلى كلام (المطايبة) يرفع شخص آخر صوته قائلاً: (يا زول خلي كلام الشّعر ده وأدخل الموضوع).. بعد زيارة الرئيس البشير إلى القاهرة التي انتظرها الناس كثيراً وعلقوا عليها الآمال العراض، كشفت الحكومة عن (موافقة) الجانب المصري على جعل منطقة حلايب منطقة تكامل بين البلدين؟!.. لذلك أجدني مضطراً لأقول: (يا جماعة خلو كلام الشِّعر ده).. الحديث عن أن "حلايب" ستكون (منطقة تكامل بين البلدين)، ليس إلا دفناً للرؤوس في الرمال وهروباً إلى الأمام من مواجهة المشكلة.. لا ندري بالطبع ما الذي دار في الغرف المغلقة، ونحن هنا نتساوى في العلم مع الوفد الصحفي المرافق الذي يبدو أنه رجع بخفي حنين.. ربما طرح الوفد السوداني القضية بشكل جاد وأقول ربما وأنا متأكد أن الجانب المصري لم يطرحها ولن يطرحها لأن "حلايب" اليوم (مصرية) بحكم الواقع الاحتلالي، فلماذا تقدم مصر على نقاش أرض تحت سيطرتها بالكامل؟.. الحكومة تعاملت ب(حكمة) و(عقلانية) طيلة الفترة الماضية أي قبل الثورة ورئاسة الرئيس "محمد مرسي" ولم ينفجر الوضع بيد أن البعض يرى أن ذلك كان تأجيلاً لقضية لا تحتمل التأجيل، وأن الصراع مع الجنوب وبعض دول الجوار أجبر الحكومة على عدم فتح جبهة جديدة هي في غنى عنها.. استفزني ذلك الكاتب المصري المدعو "عباس الطرابيلي" الذي كتب في صحيفة الوفد المصرية أول هذا الشهر قائلا: (الحمد لله أن استجاب النظام السابق لدعوتي التي استمرت أياماً وشهوراً.. حتى استعادت مصر سلطتها كاملة علي أراضي هذا المثلث الخطير)!!.. ومضى يقول: (لقد أهملت الإدارة السودانية هذا المثلث وأهله عشرات عديدة من السنين. وأضاف: (كانت حجة مصر – أي الذي دعاها لاحتلال حلايب - هو الإهمال السوداني المتعمد للأرض والسكان هناك، حتى أنهم تركوها على الفطرة).. ونحن نسأل الكاتب المصري (الجهبوز) هل معنى ذلك أنه يجوز لإسرائيل مثلا (استعادة) سيناء بحجة أن مصر أهملتها وتركتها على الفطرة؟.. أليس هذا هو نفس المنطق الذي زعم الكاتب أنه دعا مصر (لاستعادت) حلايب؟!. بدلاً عن عادة النعام التي تمارسها القيادتان في البلدين، كان من الأجدى طرح حلول عملية تسهم في إغلاق هذا الملف.. عدم إغلاق هذا الملف سيكون حائلاً دون إقامة علاقات طبيعية دعك من علاقات استراتيجية.. غير كلام الشّعر (منطقة تكامل) يمكن طرح إما التحكيم الدولي، أو استفتاء أهالي المنطقة.. المشكلة أن الحدود بين مصر والسودان وضعها المستعمر البريطاني وكشأن الاستعمار في سائر القارة الأفريقية جاء بمسطرة ورسم الحدود بين الدول الإفريقية دون أن يراعي الاعتبارات الإنسانية والقبلية الموجودة في القارة، فمعروف أن هناك بعض القبائل كبيرة العدد، وعندما قام الاستعمار برسم الحدود، لم يضع في اعتباره ضرورة وحدة هذه القبائل ووجودها في مكان أو دولة واحدة؛ ومن هنا توزعت بعض هذه القبائل على بعض الدول الأفريقية، كما حدث بالنسبة للهوتو والتوتسي.. كان للدول الأفريقية مفهوم تقليدي يتناسب مع الواقع المعاش والظروف الاقتصادية قبل التقسيم الاستعماري. ويتمثل ذاك التعامل وفقاً لمنطقة حدودية معيّنة وليس خطاً حدودياً، وذلك لأن ظروف الزراعة والرعي والصيد كانت هي النشاطات الاقتصادية السائدة لشعوب القارة الأفريقية التي تجبرهم على الرحيل من منطقة إلى أخرى حسب مواسم الأمطار.. في العام 1899م جاء المستعمر البريطاني بمسطرة ورسم الحدود بين السودان ومصر.. وعندما اصطدمت هذه الحدود بالطبيعة عاد المستعمر وبعد ثلاثة أعوام أي في 1902 وجعل مثلث حلايب تابعاً للإدارة السودانية لأن المثلث أقرب للخرطوم منه للقاهرة وظل الحال كما هو عليه إلى أن اعترضت مصر في العام 1992 على إعطاء السودان حق التنقيب عن البترول في مياه البحر الأحمر المقابلة لمثلث حلايب.. وفي تطور أكثر خطورة قام نظام محمد حسني مبارك في العام 1995م، باحتلال المثلث كما هلل ذلك الكاتب (الجهبوز). • آخر الكلام: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) صدق الله العظيم.