سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الأشد انتهاكا لحقوق الانسان؟
نشر في سودان سفاري يوم 21 - 07 - 2010

خبران حول ايران في الفترة الاخيرة، كلاهما يرتبط بشكل او آخر بموضوعة حقوق الانسان، أحدهما تصدر وسائل الاعلام الدولية بينما غاب الآخر عنها. وبرغم أهمية السجال حول نظام العقوبات القائم على الشريعة الاسلامية، وضرورة اجرائه في دوائره المناسبة، فقد تحول الى مادة دعائية اعلامية تستعمل ضد الاسلام والدول التي تسعى لتطبيق احكامه.
صحيح ان التعاطي مع القانون الجنائي الاسلامي يرتبط بقضايا حقوق الانسان، ولكن الاهتمام بهذه الحقوق اصبح، هو الآخر، وسيلة للضغط الموجه ضد الاسلام، بدلا من توجيهه لتكريس المنظومة نفسها واعادتها الى موقع الصدارة في العلاقات الدولية. الخبر الايراني الاول كان حول المواطنة الايرانية المتهمة بالزنا والقتل، واحتمال اقامة حد الرجم عليها. وبرغم ان حالات الرجم نادرة جدا في ايران، فقد عرض الخبر بالشكل الذي اثار زوبعة اعلامية وسياسية ضد الجمهورية الاسلامية التي اصدرت احدى محاكمها الشرعية لاحقا قرارا بعدم رجم المتهمة. القضية هنا ليست مناقشة احكام العقوبات في الاسلام، بل الكشف عن ازدواجية المعايير على مستوى الاعلام والسياسة في الغرب ازاء منظومة حقوق الانسان. اما الخبر الثاني الذي تمت الاشارة اليه فمفاده ان محكمة ايرانية اصدرت حكما باعدام شخصين بعد ادانتهما ب 'سوء معاملة بشكل مقصود ادت الى قتل كل من محمد كرماني، امير جوادي فر ومحسن روح الاميني' في سجن كهريزك. واصدرت المحكمة نفسها احكاما بالسجن لمدد مختلفة، بحق تسعة آخرين وتبرئة شخص واحد. وقال بيان المحكمة ان هناك 33 شخصا آخرين تجري محاكمتهم لدورهم في هجمات على مساكن طلابية خلال الاضطرابات المذكورة، وقيامهم بضرب الطلاب فيها، بالاضافة لاعتداءات على مجمع سكني قريب. جاءت هذه الاحكام على خلفية الاحتجاجات السياسية التي اعقبت الانتخابات الرئاسية العام الماضي، التي فاز فيها الرئيس احمدي نجاد، والتي شكك المعارضون في نزاهتها. فلا شك ان التعذيب وسوء معاملة السجناء جرائم قبيحة، لانها تحط من كرامة الانسان، وتحيله من بشر الى حيوان، لانها تفقده ارادته التي تميزه عن البهائم. وبرغم الضجة الاعلامية الهائلة التي اثيرت حول تلك القضية، فقد كان الاعلام الغربي انتقائيا بجدارة. ففيما سلطت الاضواء بدون توقف على انتهاكات ايران لحقوق الانسان، فان هذه الاعلام تجاهل بشكل مطلق اية اجراءات اتخذها النظام ضد تلك الانتهاكات. ومن الحقائق التي لم تذكر الا بشكل خجول قرارات مهمة أصدرها مرشد الثورة، آية الله السيد علي خامنئي. فما ان تناهى الى سمعه ان بعض السجناء قد تعرض للتعذيب وسوء المعاملة حتى أصدر في الجلسة نفسها ثلاثة اوامر مهمة: اولها غلق سجن 'كهريزك' الكائن باحدى ضواحي طهران على الفور، ثانيها: عدم التجديد لرئيس مجلس القضاء الاعلى الذي كانت فترة رئاسته منتهية لانه تراخى في وضع السجن المذكور تحت ادارة القضاء بدلا من الحرس الثوري، كما هي بقية السجون، ثالثها: اجراء تحقيق شامل في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، ومحاكمة من يثبت تورطه في القيام بذلك. المقربون من المرشد الاعلى يصفون حالة الغضب التي انتابته لدى سماع خبر اساءة معاملة السجناء بانها 'غير مسبوقة'، لاعتقاده بان ذلك مناف لقيم الثورة ونظام الجمهورية الاسلامية.
الاحكام المذكورة التي صدرت ضد مسؤولين متنفذين في سجن 'كهريزك' بتهم التعذيب وسوء المعاملة، ظاهرة نادرة في العالم كله، وتستحق التقدير خصوصا من الجهات الحقوقية الدولية لانها بادرة ليس لها نظير. ولكن في عالم اصبح يحدد مواقفه وفق المصالح وليس المباديء، اصبح يمارس سياسات 'انتقائية' بشكل مقزز، فيركز على ما يخدم سياساته ويتجاهل ما ليس كذلك. فهل هناك نظام سياسي في اي مكان في العالم تعامل مع ضباط الامن بهذه الطريقة؟ في أي بلد تمت محاكمة مسؤولي التعذيب بشكل جاد وعادل؟ وبرغم ان اغلب دول العالم وقعت معاهدة منع التعذيب التي صدرت في 1987، فان الكثير منها ما يزال متحفظا على البند رقم 20 من تلك الاتفاقية، الذي يعطي ضحايا التعذيب حق التظلم امام القضاء المحلي وان لم يكن ذلك ممكنا، امام القضاء الدولي. ولذلك لم يتوقف التعذيب كممارسة روتينية في اغلب السجون خصوصا في البلدان العربية. من هنا يتعذر التغيير السياسي في هذه المنطقة من العالم بسبب الدعم الغربي لانظمة الاستبداد العربية من جهة، وللخوف الذي ينتاب قطاعات واسعة من المواطنين مما سيتعرضون له من تعذيب وسوء معاملة لدى اعتقالهم عندما ينخرطون في حركات المعارضة المطالبة بالتغيير من جهة اخرى. فأين المشكلة؟ أهي في القوانين والاتفاقات الدولية التي لا تمتلك قوة التنفيذ وادوات الممارسة؟ ام هي الانظمة التي تمارس سياسات 'الانتقام' من المعارضين بتعريضهم لأبشع اصناف التعذيب داخل الزنزانات؟ ام في الانظمة السياسية الغربية التي لا تمتلك شرف الموقف المسؤول والمحايد ازاء الآخرين وليست جادة في الالتزام باحترام حقوق الانسان بشكل مبدئي؟ ان استعراضا لبعض نماذج التعامل الغربي مع هذه القضية يكشف جانبا من الاشكالات والمصاعب في عدد من القضايا التي تشكل بمجملها سياق التعامل مع ما يمثل جوهر التطور العصري خصوصا في ما يتعلق بشؤون المجتمع المدني الحديث ومن ذلك: حقوق الانسان، والعدالة، وانسجام المعايير والمواقف مع القيم، والحياد ازاءها، والموضوعية في النظرة للآخرين بالتخلي عن الانتقائية في المواقف والازدواجية في المعايير.
ففي فرنسا مثلا، أقر البرلمان الفرنسي الاسبوع الماضي قرار منع النقاب، برغم ان ذلك انتهاك مباشر لمبدأ الحرية الشخصية، وهي احدى دعامات الثورة الفرنسية التي كانت المدخل لمنظومة حقوق الانسان في شكلها الحالي. هذا بالاضافة لمنع الحجاب من المدارس قبل بضعة اعوام. اما بريطانيا فقد فشلت حتى الآن في حماية حقوق مواطنيها عندما تتعرض للانتهاك على ايدي اجهزة الامن او الشرطة. وفي الاسبوع الماضي اعلن عن اعتداء عناصر من الشرطة على شابين بجامعة اكسفورد، عندما كانا يشاركان العام الماضي في احتجاج امام السفارة الاسرائيلية ضد العدوان على غزة، ورفضت الشرطة اعتقال الشرطيين المسؤولين عن الاعتداء، ولكنها دفعت تعويضا قدره 25 الف جنيه استرليني (من اموال دافعي الضرائب) للشابين. وبرغم تصوير الحادثة بكاميرات مراقبة كانت تصور المتظاهرين، فقد أصر جهاز الشرطة ان الكاميرات صورت كل شيء، ولكنها لم تصور الدقائق التي تعرض الشابان فيها للاعتداء. وفي العام الماضي قتل احد المواطنين البريطانيين (ايان توملينسون) بعد ان دفعه الشرطة بقوة على الارض بدون ان يكون قد ارتكب اي مخالفة وذلك خلال المظاهرات التي قامت بها القوى المناهضة للعولمة خلال مؤتمر مجموعة العشرين في لندن. وبعد تحقيق استمر اكثر من عام قررت الشرطة عدم اتخاذ اي اجراء ضد الشرطة المسؤولين عن الحادثة المصورة. وفي الاحتجاجات نفسها اعتدى احد الضباط على متظاهرة بشكل شرس، ادى الى جروح بليغة في رجلها، وبرغم تصوير الحادثة بشكل كامل الان ان الشرطة قررت عدم اتخاذ اي اجراء ضد الشرطي المسؤول بدعوى انه 'كان مجهدا بسبب ساعات العمل الطويلة'. وقبل ثلاثة اعوام قررت الشرطة البريطانية عدم اتخاذ اي اجراء ضد اي من الشرطة ال 11 الذين تم التحقيق في دورهم في ما يتعلق بقتل البرازيلي، جين تشارلز دي مينندز، الذي اطلقت النار عليه في قطار الانفاق في مثل هذه الايام من 2005، برغم انه لم يكن مسلحا ولم يقم بأي تصرف مريب. وفي الشهر الماضي رفضت السلطات الامنية البريطانية اتخاذ اي اجراء ضد عناصر الجيش التي اعتدت في 30 يناير 1972 على مسيرة سلمية في ايرلندا الشمالية وقتلت 13 من المتظاهرين برغم ان المظاهرة كانت سلمية، وبعد تحقيق استمر 12 عاما وكلف ما يقرب من 200 مليون جنيه استرليني. هذا برغم ان رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون وصف الاعتداء بانه 'غير مبرر، وغير قابل للتبرير'.
هذا الفشل في اتخاذ اجراءات ضد ما يمكن اعتباره 'انتهاكات صارخة لحقوق الانسان' يؤكد حقيقة مهمة مفادها ان الوفاء بالتعهدات الدولية او تطبيق العدالة في السياسات والتصرفات والمواقف، ومعاملة الجميع على قدم المساواة، ما تزال قيما غائبة عن المجتمع المعاصر. وهل هناك شعب تعرض لانتهاكات حقوق الانسان بدون حدود، اكثر من الشعب الفلسطيني؟ أليس الموقف الغربي الداعم للاحتلال الاسرائيلي الذي رفض على مدى اكثر من ستين عاما تطبيق اي من قرارات مجلس الامن الدولي، تعبيرا عن تواطؤ مكشوف مع الظلم والاحتلال والعدوان وانتهاك حقوق الانسان؟ وهنا تتضح السياسة الامريكية في مجال حقوق الانسان في ابشع الصور. ولولا توفرها على قوة عسكرية وامنية مفرطة، وامبراطوريات اعلامية عملاقة، لما استطاعت هذه الدول خداع البشر طوال هذه المدة. وقد كشفت السياسات والتصرفات الامريكية في السنوات السبع الاخيرة انتهاكات صارخة للحقوق الاساسية للبشر، بما في ذلك رفضها التعامل مع معتقلي تنظيم 'القاعدة' على اساس انتمائهم للجنس البشري. واذا كان الرئيس الامريكي السابق، جورج بوش قد أقر ممارسة التعذيب مع معتقلي 'القاعدة' فان الرئيس الحالي، باراك اوباما، لم يتخذ اي اجراء لتجريم التعذيب. والتجريم هنا اجراء يقتضي محاكمة مرتكبيه، لان جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم. وبالاضافة الى ما ارتكب بحق معتقلي غوانتنامو من حرمانهم من النوم باطلاق الموسيقى العالية التي تصك الآذان، ام بتقييد ايديهم وارجلهم بالاغلال، ام بالضرب والاهانة، فقد مورس بحقهم واحد من ابشع اساليب التعذيب وهو 'الايهام بالغرق'. ويتمثل هذا التعذيب بتقييد المعتقل وتثبيته على الأرض بحيث لا يستطيع الحراك مع دس قطعة قماش في فمه وتغطية وجهه بما يشبه كيسا بلاستيكيا، ثم سكب الماء على وجهه بحيث يتخيل انه يغرق. وبرغم محاولات ادارة بوش وصف تلك المعاملة بانها ليست تعذيبا، فقد أعلن مدير الاستخبارات القومية الأمريكية مايك ماكونل ان الأسلوب المعروف ب'الايهام بالغرق' المتبع في استجواب المشتبهين في قضايا الارهاب نوع من التعذيب. وقال: 'لا اهتم ان لم يكن ذلك تعذيبا بمعايير اشخاص آخرين، فهو بالتأكيد تعذيب بالنسبة لي شخصيا'. كان البعض يتوقع ان يبادر الرئيس اوباما لتجريم هذه الممارسة، ولكنه لم يفعل. بالاضافة الى ذلك فقد مضى اكثر من ثمانية عشر شهرا منذ ان استلم الرئاسة ولم يغلق سجن غوانتنامو الذي اعتبر واحدا من ابشع رموز الظلم الامريكي. ولم يصدر امر رسمي بوقف الطيران السري، او المعتقلات السرية التي أقامتها الاستخبارات الامريكية في اكثر من ثلاثين بلدا. كما لم يأمر اوباما بفتح ملف للتحقيق في ما جرى في سجن أبوغريب من تعذيب للمعتقلين. وقبل عامين أصدر توني لاغورانيس، الذي كان محققا امريكيا في العراق، كتابا بعنوان: 'تخويف قاس: رحلة سوداء لمحقق عسكري في العراق' شرح فيه تفاصيل تعذيب العراقيين في سجن ابو غريب واحتقار المعتقلين، واحتقار دينهم، ولونهم، وعائلاتهم، وقيمهم الاخلاقية. وقال المؤلف: 'استعملت الكلاب لتخويف المعتقلين. واستعمل الماء البارد جدا أيضاً'، وأضاف، 'استعمل غيري وسائل اكثر قسوة من ذلك'. وقال انه وزملاءه، درسوا ومارسوا اساليب تعذيب مارستها القوات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومارسها البريطانيون ضد العرب والأفارقة والآسيويين عندما كانوا يستعمرون بلادهم. ويوضح المؤلف: 'فكرت كثيرا خلال أشهر طويلة. واكتشفت ثلاثة اشياء قبيحة: اولا: انني اعذب عراقيين ابرياء. ثانيا: انني اعذب وكأن التعذيب شيء عادي. ثالثا: ان هناك جانباً اسود قاتماً في طبيعتي'. وقالت دار النشر التي نشرت الكتاب: 'هذه قصة حرب. ليست عن حرب العراق. وليست عن اي حرب في اي دولة. ولكنها حرب داخل عقل شخص معين (لاغورانيس). حرب بين الضمير والفعل، انتهت بالاعتراف'.
هذه العقلية الامريكية لم تتغير بشكل ملحوظ منذ صعود اوباما الى الرئاسة، والدليل على ذلك استمراره في اغلب السياسات التي بدأها سلفه، بدون تغيير يذكر. وحتى في ما يتعلق بالموقف ازاء 'اسرائيل' فهناك تأرجح يهدف لاعطاء الانطباع بوجود تغير حقيقي، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك. فدراسة ملف رئاسة اوباما خلال الثمانية عشر شهرا الاخيرة يؤكد ذلك من خلال المعطيات التالية: اولا انه لم ينقلب على تركة جورج بوش في ما يتعلق بشن الحروب على الآخرين، وما استبدال الجنرال ماكريستال بالجنرال ديفيد بترايوس الا تأكيد لعقلية العسكرة والتصعيد. ثانيها ان اوباما لم يفعل شيئا حقيقيا ضد 'اسرائيل' سواء عندما اعتدت على قافلة 'أسطول الحرية' ام بتشبثها ببناء المستوطنات وعدم التوقف عن ذلك، خصوصا في القدس الشرقية. ثالثها: عدم فتح اي تحقيق في مزاعم التعذيب سواء في سجن ابوغريب ام سجن قاعدة باجرام الافغانية ام السجون السرية في البلدان الاخرى، ام في غوانتنامو. رابعها: عدم تجريم التعذيب كممارسة ثابتة من اساليب التحقيق مع المعتقلين، وعدم اتخاذ اي اجراء ضد من مارسه في السنوات الاخيرة. يضاف الى ذلك ان اوباما استمر في سياسة بوش في ما يتعلق باغتيال مناوئي السياسة الامريكية. وفي شهر يناير الماضي مدد اوباما صلاحيات اجهزة الاستخبارات لتشمل 'الاغتيالات الموجهة' لاشخاص غير مرغوب فيهم، وان كانوا امريكيين. وهناك فريق خاص للقيام باغتيالات سياسية يمارس استطلاعاته وتحديد اهدافه من قاعدة سرية في جيبوتي على البحر الاحمر، تخطط لاغتيال أنور العولقي، اليمني الاصل، برغم جنسيته الامريكية. وكتب الكاتب الامريكي، جيريمي سكاهيل العام الماضي مقالا على موقع 'ضد الحرب' انتقد فيه العودة الامريكية للاغتيالات قائلا: 'أن إدارة أوباما لم تنتهج سياسة بوش في استخدام الطائرات بدون طيار لتنفيذ عمليات الاغتيال المستهدفة فحسب، بل واصلت استخدام السجون السرية التابعة للولايات المتحدة الامريكية والمنتشرة عبر العالم حيث يزج فيها الناس لأجل غير مسمى بدون أي اتهام بالإضافة إلى عدم السماح للجنة الصليب الأحمر الدولية بالوصول إلى هؤلاء السجناء'. وأشار إلى أن قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان ازدادت توسعًا في عهد أوباما، وأنه يوجد فيها حاليًا مئات السجناء المحتجزين بدون توجيه أي اتهامات لهم. هذه العقلية هي التي تتخذ مواقف الدعم غير المحدودة للكيان الاسرائيلي وسياساته، وتمتنع عن اتخاذ موقف يضغط على الصهاينة ويفهمهم ان سياساتهم لها ثمن باهظ. والمعروف ان واشنطن اصبحت داعمة حقيقية للسياسة الاسرائيلية، بدون تردد او تراجع او مناقشة. فهي التي اضعفت الموقف الدولي بعد صدور تقرير الامم المتحدة حول مجزرة قانا في 1996، وهي التي حمت الكيان الاسرائيلي من تداعيات تقرير جولدستون الذي يتهم الاسرائيليين باستخدام قوة عسكرية مفرطة ضد المدنيين في غزة. واشنطن هي التي تميزت عن العالم بموقفها من العدوان الاسرائيلي على 'أسطول الحرية' وتمارس ضغوطا متواصلة على تركيا لمنعها من اتخاذ قرارات قوية ضد 'اسرائيل' تصل الى حد قطع العلاقات معها. فما دامت واشنطن تمارس اساليب عنف مماثلة، واغتيالات وتعذيب، فانها لن تمتلك الارضية الاخلاقية يوما للوقوف ضد من يمارس تلك الاغتيال والتعذيب والاحتلال.
بعد هذا الاستعراض للممارسات الغربية في مجال حقوق الانسان، ومقارنتها بما فعلته ايران، ايا كان الموقف من نظامها وسياساته، اصبح امرا ملحا اعادة تقييم المواقف الدولية ازاء عدد من الامور: اولها الموقف من التعذيب وادانة من يمارسه، ابتداء بالقوات الامريكية التي تضطهد السجناء في السجون السرية والعلنية الكثيرة. ثانيها: المسألة الاخلاقية التي تساهم في بلورة الموقف ازاء انتهاك حقوق الانسان، وعدم المساومة على ذلك. ثالثا: اسباب تنامي التطرف والعنف والارهاب، ومدى ارتباط ذلك بمشاعر الاحباط لدى الكثير من الشعوب المقهورة التي ترى ان مواقف الساسة الغربيين لا تقل سوءا في اغلب الاحيان عن مواقف حكامهم المستبدين. رابعا: تعمق ظواهر الانتقائية في المواقف وازدواجية المعايير، ونسبية منظومة الحقوق، ورفض عولمة العدالة، وغياب العدالة في تقييم الموقف من الآخرين، او الاعتراف بانجازاتهم وانسانيتهم. فالخطوة الايرانية بمحاسبة مرتكبي جرائم التعذيب وسوء المعاملة بادرة غير مسبوقة في عالم اليوم، وبالتالي فان تشجيعها امر يصب في صالح الشعوب وقوى التغيير ويساهم في تقويض الاستبداد والظلم. مطلوب من المجتمع الدولي الاعتراف بقيمة سياسة منع التعذيب، وتشجيع الدول الاخرى على محاسبة مرتكبي تلك الجرائم، وعدم الخشية من ردود الفعل طالما ان الهدف كان نبيلا. فان لم يحدث ذلك، فسوف تظل قضايا حقوق الانسان مجمدة في عالمنا العربي، وسيظل القمع والاستبداد والاحتلال ظواهر مدمرة تحاصر سياسات التطور السياسية والتنمية الاقتصادية، ان كان لهذه السياسات وجود. لقد حان الوقت للمفاصلة مع سياسات التضليل التي لا تحترم عقل الانسان، وتراهن على ابقائه جاهلا، في الوقت الذي اصبحت الشعوب فيه تسعى للتخلص من تركة الماضي، والانطلاق الى المستقبل على ارضية الواقع الذي تعيشه. وما لم يتم ذلك، فسوف يتم تفويت فرصة ذهبية لعولمة العدالة وحماية الحقوق، والقطيعة مع انظمة القمع والاستبداد والظلم والاحتلال.
المصدر: القدس العربي 21/7/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.