تثير الفضائح القانونية التي ارتكبتها أجهزة حكومية امريكية جدلا واسعا في الولاياتالمتحدة لا سيما وانها تمس بلدا ينص دستوره وقوانينه على تحريم المساس بحريات البشر وكرامتهم ، بلد يفترض فيه انه الراعي الاول لحقوق الانسان . وفي سياق ذلك فقد رفضت الولاياتالمتحدة في تقريرها أمام لجنة الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب الانتقادات الموجهة لها فيما يتعلق بممارسة التعذيب كما حاولت فرض "تأويلها" لبنود المعاهدة. خبراء اللجنة أثاروا في المقابل تعريف التعذيب وسبل الاستنطاق وممارسات أجهزة المخابرات وتطبيق معاهدات جنيف واللجوء الى مراكز اعتقال سرية وتسليم معتقلين لدول يشتبه في ممارستها التعذيب. وبتأخير أكثر من أربع سنوات، كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد قدمت العام الماضي تقريرها الثاني حول مدى تطبيقها لمعاهدة منع التعذيب، امام اللجنة الأممية المعنية بالموضوع في قصر الأمم في جنيف. وللدفاع عن ملفها أوفدت اكثر من 30 خبيرا من بينهم نواب لوزيرة الخارجية وخبراء قانونيون ومسئولون في شؤون الاعتقال ومحاربة الإرهاب. وإذا جرت العادة أن يلجأ خبراء البلد الواقف أمام لجنة الخبراء، لاستعمال كل الوسائل لإقناع اللجنة بأن مؤسساته تطبق بشكل جيد بنود المعاهدة، والاعتراف في بعض الحالات بأن التجاوزات هي من صنع أفراد يجب معاقبتهم، فإن وفد الولاياتالمتحدةالأمريكية رفض من الوهلة الأولى الانتقادات الموجهة للإدارة الأمريكية بممارسة التعذيب في إطار الحرب ضد الإرهاب. إذ شدد نائب وزيرة الخارجية المكلف بملف الديمقراطية على أن "الولاياتالمتحدة لا تمارس التعذيب وملتزمة بحظره في كل بقاع العالم". ولكن الأهم في موقف الوفد الأمريكي امام لجنة مناهضة التعذيب آنذاك ، أنه حاول إقناع أعضاء اللجنة بأن لخبرائه فهما أكثر عمقا وتفصيلا لبنود المعاهدة. وهو ما دفع الخبير السنغالي كامارا الى الرد بقوله "ولئن كان فهم الخبراء لبنود المعاهدة ضعيفا، وكان لديكم خبراء ذوو كفاءات عالية، فإن فهمنا لبنود المعاهدة هو الذي يجب أن يعمل به حفاظا على توحيد المعايير المطبقة بالنسبة لكل الدول". الولاياتالمتحدة التي كررت على لسان رئيس الوفد والمستشار القانوني بوزارة الخارجية الامريكية بأن "الحكومة الأمريكية تبدي تعلقا تاما بالالتزامات الوطنية والدولية للقضاء على ممارسة التعذيب وتفادي الممارسات المهينة وغير الإنسانية في كل ارجاء العالم"، سارعت الى وضع حدود لما يمكنها الرد عليه حول تساؤلات الخبراء فيما يتعلق بالممارسات المرتكبة في إطار الحرب ضد الإرهاب او ما تم في أفغانستان وما يجري حاليا في العراق. واضاف المسئول الامريكي أن بعض أسئلة الخبراء تتعلق بمواضيع مازالت محط جدل وبالتالي لا يمكن للوفد تقديم تفاصيل إضافية عنها. كما يرى انه لا يمكنه الخوض علانية في الرد على ادعاءات لها علاقة بعمليات من اختصاص جهاز المخابرات. وقد حاول الوفد الأمريكي إستبعاد وضع السجناء في معتقل غوانتانامووأفغانستان والعراق عن النقاش معتبرا أن تلك الحالات واقعة تحت حكم قوانين الحرب وان معالجة بنود معاهدة منع التعذيب تهتم عادة بالأوضاع العادية من منظور القوانين الوطنية، أي ما معناه "أن معاهدة منع التعذيب ليست موجهة للتطبيق في حروب مسلحة"، على حد قول رئيس الوفد. خصص التقرير الأمريكي الثاني المكون من حوالي تسعين صفحة ملحقا خاصا بوضع المعتقلين عموما ووضع معتقلي سجن ابو غريب بالخصوص. وقد اعتبر رئيس الوفد الأمريكي أن "الانتهاكات التي ارتكبت في سجن أبو غريب لا مبرر لها ولا يمكن الدفاع عنها، وإننا نأسف لها حقيقة". وقد أعلن بالمناسبة عن قيام السلطات الأمريكية بحوالي 600 تحقيق وأفاد بأنه تمت ملاحقة حوالي 250 شخصا. ومازالت التحقيقات مستمرة على حد قوله. وهو ما واجهه الخبراء بتساؤلات شتى حول طبيعة هذه التحقيقات التي تم القيام بها، ولماذا تم القيام بها من قبل وزارة الدفاع وليس من قبل قضاة مستقلين. كما تساءل الخبراء عن مستوى المسئوليات في ما تم في سجن أبو غريب وما إذا تم تقديم شخصيات رفيعة المستوى للمحاكمة. إذا كان رئيس لجنة مناهضة التعذيب قد رحب بإعلان الولاياتالمتحدة الرامي الى إغلاق معتقل غوانتانامو، فإن خبراء اللجنة طرحوا عدة أسئلة على أعضاء الوفد الأمريكي للاستفسار عن وسائل الاستنطاق التي تم استعمالها وبالأخص تلك المعروفة باسم "الغواصة"، وإلى متى يمكن الاحتفاظ بهؤلاء المعتقلين بدون اية محاكمة، وما إذا كانت حالة الحرب ما زالت مستمرة التي تعتمد عليها الولاياتالمتحدة لتبرير وضعهم الخاص؟. كما تطرق الخبراء في أسئلتهم الى مطالبة الوفد الأمريكي بالرد على الإدعاءات المتكررة التي تشير الى وجود مراكز اعتقال سرية أو على متن البواخر أو في بلدان صديقة؟ وفي حالة الإفراج عن السجناء او نقلهم الى دول أخرى، طرح الخبراء العديد من الأسئلة عن الضمانات التي تراعيها الولاياتالمتحدةالأمريكية لكي لا تنقلهم الى دول تمارس التعذيب بالوكالة. وحتى في حال حصول الولاياتالمتحدةالأمريكية على ضمانات دبلوماسية بأن الشخص المرحل سوف لن يتعرض للتعذيب، تساءل العديد من الخبراء عن طبيعة هذه الضمانات وعن كيفية التحقق منها؟ ومنهم من تساءل بساطة عما إذا كانت هناك قوائم وسجلات تدون فيها أسماء هؤلاء السجناء الذين يتم نقلهم وما إذا كان بالإمكان الاطلاع عليها؟ رئيس الوفد الأمريكي أشار الى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر يسمح لها بزيارة الأسرى بعد 14 يوما من اعتقالهم، لكن الخبراء تساءلوا عن حالة زيارة اللجنة الدولية للأسرى المعتقلين في السجون السرية؟ تعريف التعذيب من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية على ضوء الحرب ضد الإرهاب وبعد اعتماد " قانون المواطنة" او "باتريوت آكت"، كان هو الآخر محط تساؤلات من قبل خبراء لجنة حقوق الإنسان الذي استوقفهم التفريق في التعريف الأمريكي بين عبارة "آلام ومعاناة بدنية حادة" و "آلام ومعاناة نفسية حادة". وهو ما تساءل بشأنه احد الخبراء بأنه يمكن ممارسة آلام ومعاناة نفسية حادة، بدون ترك آلام بدنية، كمن يصوب فوهة بندقية لرأس سجين لانتزاع اعترافات منه. وإذا كان القسم الأكبر من النقاش قد تعلق بحالات الاعتقال في أفغانستانوغوانتانامو والعراق، فإن بعض الخبراء أشاروا الى الانتهاكات المرتكبة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي حالات بعيدة عن عملية محاربة الإرهاب مثل التهمة التي ورط فيها ضابط شرطة يتهم بممارسة التعذيب ضد أكثر من 30 سجينا، او تلك الاتهامات المتعلقة بالعنف الجنسي في مراكز الاعتقال او عملية اعتقال أحداث في اختلاط مع البالغين ولو لفترة قصيرة. وتساءل الخبراء عما إذا كان اعتماد قانون المواطنة بمثابة إقرار باستثناء بعض الممارسات من الخضوع لتطبيق معاهدة منع التعذيب؟ كما تساءلوا عن الأساس القانوني لتحفظات الولاياتالمتحدةالأمريكية بخصوص المادة الثالثة الخاصة بترحيل معتقل الى بلده الأصلي أو لأي بلد آخر. وكانت منظمات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان من أمثال العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش قد كررت الاتهامات الموجهة لواشنطن بخصوص التجاوزات المرتكبة في مجال محاربة الإرهاب، وهو ما اصفه الادارة الامريكية ب "الادعاءات المبالغ فيها"، ناصحة خبراء لجنة مناهضة التعذيب ب"عدم تصديق مثل هذه المزاعم". وهكذا تتنامى المطالبات هنا في الولاياتالمتحدة من قبل المظمات الحقوقية والروابط المدافعة عن الحريات العامة ، بضرورة وقف انتهاكات الادارة الحالية لقوانين ودستور الولاياتالمتحدة ، ويتعمق الاعتقاد بأن مثل هذه الجرائم أضرت بصورة أمريكا في العالم وزادت من تصاعد الشعور بالكره تجاه السياسات الخارجية الامريكية ، بينما تتشدق ادارة بوش بحرصها المزعوم على حماية الافراد في مناطق أخرى من العالم مثلما تفعل ازاء قضية دارفور .