إعلان مجموعة دول الساحل والصحراء بما فيها تشاد المعترفة بالمحكمة الجنائية الدولية، دعمها للرئيس السوداني عمر البشير، ورفضها الدعوات إلى توقيفه وكل اتهامات المحكمة التي تلاحقه بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة، تحتوي أكثر من رسالة، وتتجاوز معايير البروتوكول والبيانات المكرورة في مناسبات مشابهة، هذا الموقف يذكّرنا بوقفة إفريقيا إلى جانب ليبيا وكسرها الحصار الجوي الذي فرض عليها . وما يلفت النظر أن هذه الدول لم تدر ظهرها لمشكلات السودان الحقيقية منها والمفتعلة، الداخلية والخارجية، وقد أبدت قلقها حيال الوضع في إقليم دارفور، لكنّها رفضت الاتهامات ضد الرئيس عمر البشير، ولسان حالها يرى أن هذه الاتهامات لا تساهم في تحقيق السلام في الإقليم، خاصة مع استمرار مفاوضات الدوحة . لم تكترث تشاد التي شاب علاقاتها مع السودان توتّر كاد يتحول إلى صدام مسلّح، وربما إلى حرب، في أكثر من مرة، بمطالبات دول و"معارضين" ومنظمات حقوقية حقيقية أو مغلّفة ب “سلوفان" حقوقي، لاعتقال البشير لدى زيارته نجامينا التي فضّلت الالتزام بموقف عائلتها الإفريقية ولم تنحن لأوامر تفوح برائحة الازدواجية، فلم يتردد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي جان بينغ في وصف “الجنائية الدولية" بأنها تكيل بمكيالين وتتحامل على إفريقيا، كما أن المدعي العام للمحكمة أوكامبو ومحكمته لا يركّزان إلا على الجانب القانوني بالنسبة إلى الوضع في السودان، ولا يعيران اهتماماً للحفاظ على السلام، وبخاصة مع اقتراب استفتاء الجنوب . ومن يراقب تصريحات أوكامبو لا يحتاج إلى جهد كبير كي يلاحظ “شخصنة" غير عادية وغير بريئة للقضية، فهو لا يتحدّث إلا عن توقيف البشير . فحتى في المحاكم المحلية الصغيرة، لم نشهد قاضياً أو مدعياً يهين أو يجرّح متهماً، مثلما فعل أوكامبو تجاه البشير . وحتى لا يذهب أحد بعيداً في التأويل، فإننا لا ندافع عن أحد، لكننا نضم صوتنا إلى صوت مجتمع إفريقيا الذي يرفض ازدواجية المعايير، وهو يشاهد قوانين تتغيّر ويجري تكييفها لتفتح مخارج لمجرمي حرب “إسرائيليين"، مثلاً، كي لا تنجح ملاحقتهم قضائياً على جرائم لن تكون آخرها مجزرة أسطول الحرية التركي، وهي جريمة واضحة للعالم بحق متضامنين مدنيين لم تقدّم “إسرائيل"، حتى عبر لجنتها الخاصة، أي دليل على حيازتهم أي وسيلة ممنوعة . لا يمكننا أن نعزل هذه السياسة المغلّفة حقوقياً عن تقارير تتحدّث عن أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي تستعد من الآن للتعامل مع “سودانين" في الشمال والجنوب، وأن هذه الدول أجرت اتصالات مع زعماء الجنوب من أجل الترتيب للاعتراف بحكومتهم بعد الانفصال المزمع، والذي يبدو الاستفتاء مجرّد جسر شكلي لمرور التقسيم فوقه، وربما “يتطور" موقف هذه الدول أكثر فتعترف بسودان ثالث في دارفور . وإذا كان هذا الانفصال لا بد منه، فإن السودان الملزم بقبول نتائج الاستفتاء، ليس ملزماً بأن يكون نافذة أمام المولود الجنوبي الذي عليه أن يكابد ليعيش، كما أن أي اعتراف عربي به أو ضمّه للجامعة العربية سيعني أن الباب سيكون مفتوحاً للاعتراف بكل “الدول" التي ستفرّخها مشاريع التقسيم التي ستجتاح هذه الأمة . المصدر: الخليج 26/7/2010