منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض اعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تحقيق السلام مع إسرائيل والفلسطينيين سيخدم مصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية. يوم 21 يناير 2009 بادر الرئيس باراك أوبام إلى تعيين الرئيس الأسبق لنواب الأغلبية في مجلس الشيوخ جورج ميتشل مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط. لقد قام جورج ميتشل منذ ذلك الوقت بعدة رحلات لتقصي الحقائق في منطقة الشرق الأوسط، رغم ذلك فإن الرئيس باراك أوباما لم يقل حتى الآن أي شيء عن الكيفية التي ستتعامل بها إدارته مع أكبر التحديات التي تواجه دبلوماسية السلام الأمريكية في الشرق الأوسط ألا وهو استمرار تنامي قوة حركة المقاومة الإسلامية حماس بشكل لم يسبق له مثيل. لقد أدرجت حركة حماس منذ تأسيسها سنة 1987 على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات التي تعتبرها الولاياتالمتحدة إرهابية، رغم ذلك فقد اكتسبت حماس شعبية جارفة في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي. في سنة 2006 فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت في الضفة الغربية وقطاع غزة وقد حافظت مؤخرا على بقائها رغم الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة في شهري ديسمبر ويناير الماضيين. عقب تلك الحرب ازدادت شعبية حماس بين الفلسطينيين. وبالمقابل فإن المساعي الأمريكية لتقوية غريمتها حركة فتح التي تهيمن على السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس ارتدت على الولاياتالمتحدة، فسلطات واشنطون لم تنجح في تقوية حركة فتح، ذلك أن المساعدات التي ظلت واشنطون وحلفاؤها يقدمونها لمحمود عباس لم تؤد إلا إلى تفاقم مظاهر الفساد في صفوف حركة فتح، الأمر الذي زاد من تآكلها الداخلي مما قد يعجل بانهيارها. لابد أن يحظى أي فريق فلسطيني في مفاوضات السلام بدعم من حركتي حماس وفتح على حد سواء، لكن هل يمكن اعتبار حركة حماس حقا طرفا يعتد به في عملية صنع السلام علما بأن ميثاقها الأساسي الذي وضع سنة 1988 يرفض المشاركة في مختلف مؤتمرات السلام وينادي بالعمل على القضاء على الدولة اليهودية؟ إن تاريخ الجهود الأخرى التي بذلت لتحقيق السلام تظهر أن حركة حماس تستطيع ذلك. لنتأمل مثلا ما حدث في جنوب إفريقيا وإيرلندا الشمالية فالأحزاب الوطنية التي كانت في الماضي توصم بالإرهاب وتتم ملاحقتها بغية تدميرها أثبتت أنها أطراف جديرة بالمشاركة في صنع السلام. قد يعتبر الكثير من الغربيين أن حركة حماس مجرد عصابة من المتطرفين الذين أقروا العزم على قتل كل إسرائيلي. إن حركة حماس لها أيضا جناح مدني قوي يقدم جملة من الخدمات الاجتماعية التي تستفيد منها قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني. في سنة 2006 شارك هذا الجناح المدني التابع لحركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني بنجاح كامل وفي كنف السلام واستطاع أن يحقق فيها فوزا جارفا أربك حركة فتح والدول العربية وإسرائيل والقوى الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما الجناح العسكري لحركة حماس فقد ظل خلال فترات طويلة يمارس أكبر قدر من ضبط النفس خلال اتفاقيات وقف إطلاق النار مع إسرائيل. لقد حدث ذلك على سبيل المثال سنتي 2005 و2008 وهو يحدث منذ عدة أشهر، بل إن إسرائيل هي التي كانت تخرق هذه الاتفاقيات. يتمثل أكبر تحد يواجه صناع السلام اليوم في رفض حركة حماس الشروط المسبقة التي حددتها اللجنة الدولية الرباعية المشكلة سنة 2006 قبل البدء بأي مفاوضات، تنص هذه الشروط على ضرورة أن تعترف حماس مسبقا بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وتوقيع كل الاتفاقيات السابقة التي توصلت إليها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل. أما التحدي الآخر الذي لا يقل صعوبة فهو يتمثل في رفض سلطات واشنطون إعادة النظر في صياغة هذه الشروط والمطالب. هل حماس جزء من الحل؟ لقد أجريت حوارا مطولا يوم 4 يونيو 2009 في دمشق مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي أكد مجددا رفض هذه الشروط المسبقة من الناحية المبدئية ولاحظ أن سلطات واشنطون لم تطبق مثل هذه الشروط المسبقة على الأطراف المتشددة في الحكومة الإسرائيلية، كما أن الرئيس باراك أوباما قد دعا في الخطاب الذي ألقاه يوم 4 يونيو 2009 في جامعة القاهرة إلى إجراء حوار مع الحكومة الإيرانية من دون أي شروط مسبقة. إن خالد مشعل رجل رصين وذكي وهو يعطي الانطباع عندما يتحدث بأنه رجل سياسي أكثر منه شيخ دين، فقد أوضح ان حركة حماس جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة. في معرض حديثه عن "مبادئ ميتشل" التي حددها المبعوث الأمريكي خلال جهود السلام الناجحة التي قام بها في إيرلندا الشمالية قال خالد مشعل إن تلك المبادئ طبقت على كل الأطراف الإيرلندية سواسية وهو ما ضمن لها النجاح. لقد تحددت تلك المبادئ خلال الجولات والاجتماعات التمهيدية من دون أن تكون شروطا مسبقة تفرض فرضا على الأطراف الإيرلندية. عبر خالد مشعل أيضا عن رغبة حركة حماس في رأب الصدع مع حركة فتح وأكد دعم حركة حماس أيضا للاقتراح الذي طرح سنة 2006 والذي يقضي بتولي محمود عباس ومفاوضون آخرون ينتمون إلى حركة حماس مسئولية إدارة المفاوضات مع إسرائيل. على أن يعرض أي اتفاق يتم التوصل إليه في استفتاء شعبي يشمل كل الفلسطينيين، وأكد أيضا أن حركة حماس ستلتزم بنتائج مثل هذا الاستفتاء الشعبي. إذا استطاعت حماس وفتح إعادة بناء قدر من الثقة بما يخول لفريق فلسطيني موحد بدء المفاوضات مع إسرائيل، فإن مثل هذا الاقتراح من شأنه أن يساعد محادثات السلام على التقدم إلى الأمام من دون الحاجة إلى الإجابة المسبقة عن السؤال المعلق الذي يربك الغرب: كيف التعامل مع مشكلة حماس؟ لقد أعاد خالد مشعل التأكيد مجددا تأييد حركة حماس لإقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل على الأراضي المحتلة سنة 1967 بشرط تطبيق القرارات المتعلقة بكل الأراضي المحتلة بما في ذلك القدسالشرقية، إضافة إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى المناطق التي هجروا منها سنة .1948 لن تقبل أي حكومة إسرائيلية بهذه المطالب غير أنها تعكس رغم كل شيء تحولا براجماتيا في داخل حركة حماس عن المواقف والقناعات الأيديولوجية المعلنة في ميثاقها الصادر سنة .1988 يمكن أن نحسب أن هذه المطالب تمثل نقطة البداية في المفاوضات التي يتعين على كل الأطراف المعنية أن تتحلى فيها بالمرونة السياسية اللازمة، فاللغة المتشددة في ميثاق حركة حماس (1988) وفي ميثاق حزب الليكود (1999) يمكن تغييرها في المستقبل مثلما حدث أثناء جهود السلام في جنوب إفريقيا التي أفضت إلى تفكيك نظام التمييز العنصري. لو أمكن إشراك حركة حماس كطرف كامل في دبلوماسية السلام فإنه قد تنسج على منوال المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا أو حركة شين فين في إيرلندا الشمالية. مؤلفة كتاب: "أمريكا والعالم بعد بوش". المصدر: اخبار الخليج 23/11/2009