قدم السفير عثمان السيد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بالخرطوم والمسئول السابق للأمن الخارجي في السودان ل "الشرق" حقائق مهمة في ملف تهجير يهود الفلاشا من اثيوبيا عبر السودان إلى تل أبيب، وفند ما جاء في حملة جريدة المصري اليوم ويواصل السيد حديثه عن أزمة مياه النيل، وضرورة التنسيق المصري الاثيوبي منعا لتفاقم الأزمة، مشيرا إلى أن الاثيوبيين ودول الحوض لهم حقوق وعلى مصر أن تتفهم ذلك. واكد أن اتفاقية تقسيم مياه النيل 1959 لا تمنع مناقشة هذه الحقوق، وقال السيد وهو الذي عاش سنوات طويلة في اثيوبيا سفيرا لبلاده بها أن اعتقاد المصريين بأن إسرائيل خلف ما يحدث في مياه النيل مجرد وهم. * ذكرت في حديثك السابق أن الضمانة الوحيدة في العلاقات السودانية الإثيوبية هي العلاقة القوية والحميمة والأسرية بين الرئيس البشير وميلس زيناوي. فلماذا لم يسخر السودان هذه العلاقة في اتجاه اتفاق مشترك حول أزمة مياه النيل؟ ** ليس معنى أن هناك علاقات قوية بين الرئيس البشير وميلس زيناوي أن يكون هناك اتفاق كامل بينهما في موضوع مياه النيل، مع ملاحظة أن التصريحات التي صدرت عن زيناوي في هذا الملف تحديدا تؤكد أصلا أن السودان ليس معنيا بمطالبة اثيوبيا بتعديل اتفاق مياه النيل. عبد الناصر * إذن هل مصر هى المعنية وحدها؟ ** في قناعة الاثيوبيين أن السودان غير معني، وهم يفكرون أن السودان نفسه مظلوم، ويرى الاثيوبيون أن اتفاقية 1959 لمياه النيل كان بها إجحاف كبير في حق السودان، وأكثر الأشياء ألما لهم أن هذه الاتفاقية وقعت في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهم ثوار مثل عبد الناصر، وفي أدبياتهم يعتبرون عبد الناصر من الرموز التي دعمت التحرر في أفريقيا، ويذكرونه دائما مع الزعماء في القارة الأفريقية، ووقع الاتفاقية عن مصر أحد رجال الثورة الرئيسيين وهو "زكريا محيي الدين"، ويعتقد الاثيوبيون أن عبد الناصر الثوري عندما وقع على هذا الاتفاق لم يراعي مصلحة المزارعين الاثيوبيين ولا المزارعين السودانيين، بل راعى فقط مصلحة المزارعين المصريين، وهذا الأمر يتذكرونه بتأثر شديد، والإثيوبيون لديهم شعارات الشيوعيين مثل يا عمال العالم اتحدوا.. وغيرها، والتصور المصري بأن إسرائيل هي التي تحرض الإثيوبيين هو تصور خاطئ تماما. وهم إسرائيل * بطريقة أو بأخرى ألا ترى أن إسرائيل لها يد فيما يحدث في مياه النيل؟ ** للأسف هذا اعتقاد المصريين دائما وأؤكد أن هذا الاعتقاد هو مجرد وهم، وأنه لا تستطيع إسرائيل أن تملي شيئا على أديس أبابا وحكومتها. * كيف يكون وهما وما تعليقك على زيارة "ليبرمان" وزير خارجية إسرائيل الى أديس أبابا أثناء الأزمة؟ ** لو زار "ليبرمان" اثيوبيا مرة واحدة، فمصر يزورها نتنياهو كثيرا، وشيمون بيريز رئيس إسرائيل كان في مصر منذ يومين، وعمر سليمان مدير جهاز المخابرات المصرية دائم الزيارات إلى تل أبيب وبالتأكيد هناك زيارات متبادلة لرئيس الموساد لمصر ردا على هذه الزيارات، ربما تكون غير معلنة. فهل معنى ذلك أن مصر لديها علاقات مع إسرائيل تضر بالآخرين؟ّ! تحفظات الفنيين * الإثيوبيون يرون أن اتفاق 1959 لتقسيم مياه النيل به ظلم للسودان. ماذا ترى أنت؟ ** الفنيون السودانيون الذين شاركوا في الاتفاقية كان عندهم رأي فيها، ومنهم المهندس "يحيى عبد المجيد"، وزير الري السابق، وكانت لديهم تحفظات على الإتفاقية، والفنيون طلبوا من الوزير عدم التوقيع عليها، واضطر "طلعت فريد" رئيس الوفد السوداني وقتها أن يترك الوفد ويعود إلى الخرطوم لينقل تحفظات الفنيين، ولكن الفريق عبود رئيس السودان قال له وقعوا، وهناك كثير من الفنيين السودانيين يرون أن هناك إجحافا بحق السودان في هذه الإتفاقية، والتي نصت على أن يكون للسودان 18،5 م مكعب، ومصر 55،5 م مكعب من المياه أي أن نصيب السودان ثلث نصيب مصر، والإتفاقية تنص على أن أي دولة من الدول التي لم تشارك في الإتفاقية طلبت بنصيب من مياه النيل يتم منحها ما تطلب مناصفة بين مصر والسودان، وهذا هو نص الفقرة خامسا من أحكام عامة في الإتفاقية "نظرا إلى أن البلد الذي يقع على النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين (مصر — السودان) يطالب بنصيب في مياه النيل، فقد اتفقت الجمهوريتان على أن يبحثا سويا مطالب هذه البلاد، ويتفقا على رأي موحد بشأنها، وإذا أسفر عن إمكان قبول أي كمية من إيراد النهر تخصص لبلد أو لآخر فإن قدر المياه المحسوب عند أسوان يخصم مناصفة بينهما". والجانب الأثيوبي يتعجب فماذا لو طلبنا 37 مليار متر مكعب فهذا معناه أننا سنأخذ نصيب السودان بالكامل، فاثيوبيا لديها تحفظات على إتفاقية مياه النيل، والحكومة الموجودة حاليا في اثيوبيا هي أول حكومة في تاريخ اثيوبيا تعترف بحقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النيل الأزرق، وهو شريان الحياة للبلدين، ويشكل مع الروافد الأخرى 85% من مياه النيل، فلماذا ندخل في مشاكل مع الاثيوبيين، أؤكد أن خسارتنا للإثيوبيين ليست من مصلحتنا، وللعلم النظام الحالي الذي يحكم اثيوبيا قام بتغيير الدستور الذي كان ينص على أن اثيوبيا دولة مسيحية، وأن الكنيسة الأرثوذكسية القبطية التوحيدية هي الرسمية للبلاد، وأن الإمبراطور هو راعي الكنيسة، ولذلك فإن أي مواطن غير مسيحي في اثيوبيا وفق هذا الدستور كان من الدرجة الثانية، وعندما تسلمت حكومة زيناوي الحكم في 1991 غيروا هذا الدستور في عام 1995 والذي نص على أن الدولة لا دين لها، وأن حرية التدين مكفولة، وأي شخص يحاول إجبار أو إكراه شخص آخر على تغيير دينه يكون عرضه للمحاكمة. ولأول مرة يشعر المسلمون في اثيوبيا أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، ومقولة أن اثيوبيا جزيرة مسيحية وسط عالم إسلامي تغيرت وقالت الحكومة هناك أن عدد المسلمين لديهم أكبر من أي دولة حولهم باستثناء مصر. سياسة عقلانية * ما هي في تقديرك الأسباب التي دفعت دول حوض النيل إلى هذه الأزمة؟ ** أعتقد أن السياسة التي كان يتبعها وزير الري المصري السابق "محمود أبوزيد" كانت أكثر عقلانية من سياسة "محمد نصر الدين علام"، وحسب معلوماتي ووفق اتصالاتي أقول ان علام هو الذي دفع هذه الدول لاتخاذ هذا الموقف المتشدد، وبطريقة تعامله مع نظرائه في دول حوض النيل هي التي أوصلتنا جميعا إلى هذه الأزمة، وأعتقد أن مذكرته التي رفعها للقيادة في مصر لم تكن موفقة، ولذلك جاء الموقف المصري بهذا الشكل. وأقول للإخوة في مصر بكل صراحة ووضوح ان طريقة دعوة دول الحوض إلى الإسكندرية وشرم الشيخ للنزهه لم تعد أسلوبا مجديا، فهذه الدول لديها مشاكل حقيقية، ويجب مراعاتها ومناقشاتها. أكثر عقلانية * وما هي نصائحك لإدارة هذا الملف بطريقة سليمة؟ ** بالنسبة لاثيوبيا لابد وأن يتم معها سياسة أكثر عقلانية، وسياسة أنه كلما شعرنا أن هناك أزمة يذهب وفد مصري برئاسة رئيس الوزراء المصري " أحمد نظيف" أو وزير الخارجية " أحمد أبو الغيط" إلى دول الحوض ويوقعون اتفاقات ويقدمون الوعود، وبعد ذلك لا يحدث أي شيء على أرض الواقع، فهذا الأسلوب لا ينفع مع الاثيوبيين بالذات، وللعلم فإن الاثيوبيين يرفضون ما يعتبرونه رشوة، وعندما تذهب إلى مطار أديس أبابا تقابلك جملة "نعم للاستثمار.. لا للفساد، وهناك أمثلة كثيرة عاقب فيها ميلس زيناوي مسئولين كبارا بعد أن ثبت أنهم فاسدون، وعاقبهم أشد عقاب وألقى بهم في السجون. وأقول لمصر أنه إذا حدث إنفصال لجنوب السودان ستكون الدولة الجديدة مرتبطة بدول الحوض أكثر من مصر والسودان، وهذا الارتباط يعد أحد أبرز مخاطر انفصال الجنوب وعلى مصر أن تعي ذلك تماما. المصدر: الشرق القطرية 8/8/2010