قرار سيادي اتخذه السودان قائم على مبررات موضوعية قضى بتعليق الاتفاقية الموقعة بين هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) والهيئة القومية للاذاعة، هذا القرار فتح باب (الردح) وذرف دموع التماسيح للإذاعة العجوز.. سبب التعليق قيام ال(BBC) بأفعال تخالف نصوص الاتفاقية وانتهاك حرمة القوانين الوطنية.. كيف تم ذلك؟ فهذه إجابة محيرة ومثيرة للدهشة.. أسباب الإيقاف لا تتعلق إطلاقا بالخدمة الخبرية التى تقدمها الهيئة وإنما لعدم مراعاة قواعد ونظم العلاقات الدولية فى مثل هذه الحالات.. هل تصدقون أن الهيئة (المحترمة) قامت بإدخال أجهزة ومعدات بث تلفزيوني مباشر (إس إن جى) عن طريق الحقيبة الدبلوماسية للسفارة البريطانية بالخرطوم بطريقة غير شرعية؟!.. عندما تسمع ال(BBC) تتحدث عن احترام القوانين الدولية تظن أن الكون كله يعزف نشيدا.. مع ذلك السودان كان كريما وتحدث بلطف معها عن أن ما أرتكبته الهيئة (عيب) ومخالف للقوانين والأعراف، بل السودان أكد أن باب التعامل معها سيظل مفتوحا لاستدراك ما وقع من أخطاء أملا في أن يتم التعامل فى إطار اتفاقية حكومية تحدد الالتزامات وتتوفر فيها فرص التعامل بالمثل ومراعاة قواعد ونظم العلاقات الدولية فى مثل هذه الحالات. ما لم تقله الحكومة (تأدبا) أن هيئة ال(BBC) تدس السم في عسل تقاريرها وخدمتها الاخبارية المدثرة بالموضوعية.. قد نتفق جميعا أن الإعلام أداة من أدوات السّياسة، ينقل سياسات صناع القرار إلى الشعوب، ويبلور اتجاهات ومواقف الشعوب حتى يستفيد منها صنّاع القرارات؛ لكن يصبح التوظيف السياسي للإعلام جريمة تحارب عندما تستند النوايا السياسية على أهداف استعمارية تتلخص في الوقت الراهن في محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة والتمكين لإسرائيل ومحاربة وإلغاء الكيانات الثقافية الأخرى. إن الدعاوى الغربية باستقلالية الإعلام وحيادية الطروحات لم تعد تنطلي على الكثيرين - على الأقل المثقفين منهم - ولا يزايد على ذلك إلا من كان متمردا على قيمه الثقافية والحضارية.. ال(BBC) يصل الدعم المقدم لها من الحكومة البريطانية حوالي 90 مليون دولار سنويا. فهل هذا الصرف يتم لوجه الله ومن أجل المساهمة في تقليل البطالة في الوطن العربي بتشغيل عددا من الإعلاميين العرب؟! نايجل تشامبان مدير القسم العالمي بال"BBC" يقول بوضوح وبدون مداراة عن السياسة التحريرية للقناة الجديدة: "إنهم سيتبعون بالضبط القيم التحريرية التي يتبعها أي قسم آخر لهيئة الإذاعة البريطانية". وعليه فإن من السهل على ال"BBC" أن تعمل على تنفيذ السياسة الخارجية البريطانية بكل "حرفية" فالحقيقة الثابتة أن الإعلام يستطيع أن يُغير من آراء بعض الناس بطريقتين، الأحداث التي يختار الإعلام تقديمها ويبرزها ويسلّط الضوء عليها، والكيفية التي يتم بها معالجة تلك الأحداث وطريقة تحليلها والتعليق عليها. نقلاً عن صحيفة الرائد 10/8/2010م