تحليل ساسي كان واضحاً ان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون و بعد أن بات من المحتم التقاء أدارة الرئيس أوباما بشريكي الحكم فى السودان الحركة الشعبية و الحزب الوطني فى نيويورك بغرض مناقشة قضاياهما المتعلقة بعملية لسلام ،تريد وضع بعض (العراقيل)فى مسار علاقات الخرطوم و واشنطن من جهة ،وعلاقات الشريكين فيما بينهما من جهة ثانية. ففي الأولي - بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة فى واشنطن- تريد كلنتون الحد من تحركات الموفد الأمريكي الخاص الى السودان ( سكوت غرايشون) الذى يتجه بعلاقات الخرطوم و واشنطن الى منطقة أفضل و مساحة أرحب لا تريدها كلنتون ومجموعات الضغط المعروفة فى واشنطن ؛ وفى الثانية – بحسب المصادر – تريد الوزيرة الأمريكية (نزع الثقة) بين الشريكين الوطني والحركة لأن تعزيز هذه الثقة لن يساعد على لعب واشنطن لدورها الهادف الى ضمان مصالحها باستغلال تناقضات و خلافات الطرفين . و يبدو المشهد ،ذات المشهد الذى بزر عقب جمع واشنطن بين الفلسطينيين و الإسرائيليين ، حيث يمارس الضغط على(جهة واحدة) و حيث تميل الكفة الأمريكية الى جهة واحدة ومن ثم تحافظ على وجود تناقضات عميقة بين الاثنين تستفيد منها واشنطن. غير ان الوزيرة الأمريكية لا تبدو موقفة فيما تحاول انجازه ، ذلك ان شعور الحزب الوطني و هو مقبل على هذا اللقاء ان واشنطن تشجع انفصال الجنوب وفى الوقت نفسه تريد من الشمال دفع فواتير إضافية فوق فاتورة الانفصال وضرب عدد من العصافير بحجر واحد لن يساعد فى إنجاح اللقاء ، فالحزب الوطني- الذى اكتسب دربة جيدة- طوال ما يجاوز العشرين عاماً فى علاقاته مع واشنطن يحتفظ بأوراقه الخاصة و يدرك ان واشنطن فشلت فى ظل إدارات مختلفة استخدمت أساليب و وسائل مختلفة فى زحزحته فى الاتجاه الذى تريده ، بل ان الحزب الوطني يدرك ان ما يربطه من ناحية مصالح وعلاقات ثنائية عادية كقائد لدولة مع الولاياتالمتحدة لا تستطيع واشنطن الاستهزاء به ففي العلاقات الدولية هناك حدود للمنطق و لطبائع الاشياء ، حيث لا مجال لتكرار الأخطاء والإمعان فى تقدير الحسابات . واشنطن من جانبها تعيش حالة تناقض مريعة وغير مسبوقة فى صناعة القرار وبلورة المواقف السياسية و هذا عنصر مدمر لمصالحها ،فهي لا تستطيع احتواء او إيذاء الحزب الوطني دون ان يتسبب ذلك فى إلحاق الأذي بها ،و ربما أدركت واشنطن متأخراً جداً ان الحزب الوطني فى السودان هو الأقرب الى التعامل معها بواقعية وعقلانية عمن سواه ،وخير شاهد على ذلك هذه الاستمرارية و المرونة التى يتعامل بها الحزب الوطني وتمتعه بتأييد شعبي يصعب تجاهله مهما كانت الحسابات . وهكذا فان واشنطن فى الواقع أضعفت موقفها بتصريحات وزيرة خارجيتها التى استبقت اللقاء بهذه التصريحات وأعطت الحزب الوطني أوراقاً أفضل لأنه يمتلك عناصر استكمال اللعبة ولا يمكن ان يتحقق اى شئ بدون موافقة وقبول الحزب الوطني !