تحليل سياسي من المؤكد ان تحاشي الرئيس الأمريكي باراك اوباما و وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون لقاء رئيس حكومة الجنوب و زعيم الحركة الشعبية الفريق أول سلفاكير ميارديت فى واشنطن ، قبل لقاء نيويورك المرتقب ، حمل فى طياته رسالة هامة ،أقلها ان واشنطن – لحسابات يصعب تجاهلها من جانبها – تتعلق باحترامها و إيلائها تقديراً سياسياً للجانب الآخر من المعادلة السياسية ممثلة فى الحزب الوطني الشريك الرئيسي فى السلطة السياسية و عملية السلام فى السودان. فواشنطن رغم الرسائل السالبة التى أرسلتها قبل أيام على لسان وزيرتها كلنتون للخرطوم ، إلا أنها لا تستطيع ان تقلل من وزن الحزب الوطني ، كما لا تستطيع ان تمارس ما تريد ممارسته من ضغوط فى ظل انحياز واضح للطرف المقابل للوطني و هو الحركة . الأمر الثاني ان واشنطن التى – و مهما بدا للبعض فى تحليلاتهم – لم تبلور بعد موقفاً حاسماً من قضية الوحدة او الانفصال فى السودان و هى تريد على أية حال و حين تجلس فى نيويورك فى مواجهة الطرفين أن تبلور رؤيتها و موقفها هذا بقدر من الموضوعية و الموازنة الدقيقة . من جهة ثالثة فان ادارة الرئيس اوباما و ايضاً مهما كان يبدو من سلوكها منذ مجيئها الا أنها ليست منساقة كليةً وراء رغبات الحركة الشعبية و سبق لنائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) ان صرح قبلا أسابيع بأن بلاده لا تتطلع الى دولة فاشلة اخري فى الجنوب السوداني. نقول كل هذا ونحن نعلم بالطبع مقدار الظلم الماحق الى تمارسه الإدارة الأمريكية ضد السودان منذ ما يجاوز العقدين سواء بعقوباتها الاقتصادية الأحادية الجانب ،و التى بالغت و تمادت فى فرضها ملحقة أضراراً بالدرجة الاولي باقتصادها هى و شركاتها أو بقرارات الوضع فى لائحة الإرهاب ، أو تأليب المنظمة الدولية لفرض الحظر على الخرطوم لأسباب ليست واقعية ولا مقبولة ، بل ان واشنطن بلغت قمة ظلمها و جورها على الخرطوم – في مفارقة غير مسبوقة – حين تبنت الملاحقة القضائية الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية ، رغم أنها هى نفسها – اى واشنطن – تقف ضد المحكمة و لم تنضم لها ، و لم تتواني واشنطن – فى ذات المفارقة المثيرة للسخرية- من استخدام هذه الملاحقة فى مساومة سياسية قدمتها للخرطوم كحوافز ظناً منها ان الخرطوم قد تقبلها بلهفة و سرعة ! لقد أدركت إدارة اوباما ان الخرطوم أكثر عناداً وصلابة من ان ترضي بالخضوع لمساومات تمس صميم مبادئها و أدركت ايضاً ان الحزب الوطني لا يستجيب للضغوط بالقدر الكافي , من الأفضل التعامل معه بعقلانية وموضوعية ،ولهذا لم تبد إرتياحها – كما كانت تفعل ادارة بوش لأطروحات كير الانفصالية و تجنبت لقاؤه قبل اللقاء فى الخروج بنتائج مثمرة . من الجانب الثاني فان زعيم الحرة أفرط فيما يبدو فى التفاؤل و أسرف فى الحديث عن الانفصال ليطرب له عشاق الانفصال فى ارجاء واشنطن من غلاة عضوية الحركة ،و لا يعرف بعد ماذا سيقول الفريق كير لهؤلاء غداً اذا تغيرات الأمور و خرج لقاء نيويورك بأمور مختلفة ، أو جاءت رياح الاستفتاء بما لا تشتهي الحركة !