ربما كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن الذى شهد العالم فى عهده العجائب مدركاً او غير مدرك - فكلا الإحتمالين وراد- لأبعاد جلوسه بتعبيرات بلهاء عرفت عنه - وعادة ما ترتسم على وجهه ولا يعرف الناظر إليه عن ماذا تعبر- الى فتاة سودانية مغطاة الوجه ، غير معروفة الملامح تدعي حليمة بشير ، تقول فصول كتاب بلغ ثمن نسخته الواحدة 25 دولاراً أنه يحوي سرداً لقضية اغتصاب تعرضت لها فى اقليم السودان الغربي بدارفور.. و لا يُعرَف بالطبع ماذا دار فى ذلك اللقاء ،و كم بدد بوش من وقت فى لقاءه بالفتاة و ماذا قالت له وهما يجلسان وحدهما بدون ان يظهر فى الصورة مترجم كما تقتضي قواعد البروتوكول ، أو على الأقل لإعطاء مصداقية للصورة كون ان الفتاة المغطاة الوجه فتاة دارفورية بسيطة لا تعرف اللغة الانجليزية ، كما لا يعرف الرئيس بوش اللغة العربية فلو عرفها لما عرف لجهة أهل دارفور المحلية . و الواقع ان قصة حليمة بشير هذه ليس سوي نموذج للفبركة الإستخبارية ، تم كشف النقاب عنها مؤخراً ،و لعل من سوء حظ الذين فبركوها ان الرئيس بوش نفسه فبرك تقريراً استخبارياً أقرَّ بفبركته ، غزا بموجبه العراق تحت زعم أسلحة الدمار الشامل ، و أحدث كل ذلك الدمار واقام العالم و أقعده بكذبة لقاء ، فماذا يهم لو فبرك أو أسهم فى دعم فبركة قصة اغتصاب فتاة درافورية حرص هو على لقاءها و ظهر معها فى صورة واحدة ؟ و ليس المهم الآن – بعد ان ظهرت الحقيقة ،و ما أسرع ظهور مثل هذه الحقائق – من هم الذين قاموا بعملية الفبركة ، فالعمل القذر المغلف بالأكاذيب لا يمكن ان يقوم به أبطال شجعان نساءً كانوا أو رجال ، كما ان هذا العمل المفبرك لم يكن لينطلي على اقل الناس حظاً فى الفهم و الإدراك ،و لكن المهم هو هل نجح الأمر و أفاد الفائدة المرجوة ؟ لقد كان من الواضح ان العمل لم يحقق ما كان مرجواً ، فالكتاب (دموع الصحراء) قامت بتأليفه فتاة تنتمي لحركة مسلحة و هى د. مريم سليمان استفادت من قدراتها فى اللغة الانجليزية و علاقاتها ببعض المنظمات الدولية و لكن د. مريم بالطبع لم تكن تجيد حبك الأحداث و إتقان الفصول ،وإيراد الحقائق القابلة للتصديق ،وقد خان الدكتورة ذكاءها فى هذا الصدد ولم تعهد (بالتأليف) لشخص آخر ذلك ان من مقتضيات فبركة الفبركة نفسها هو أن يقوم بها شخص بعيد عن الشبهات ،و د.مريم بانتمائها لأحدي الحركات المسلحة يصعب ان لم يستحيل قبول فبركتها ! و الكتاب على ما حصل عليه من ذيوع و انتشار و استخدام بواسطة مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية و الذى ثبت أنه أسهم فى تمويله ، لم يحتوِ على وثائق على الرغم من ان الجريمة التى يتحدث عنها جريمة خطيرة و على الرغم من ان مفبركي الكتاب ومؤلفيه قصدوا إقناع العالم بالجريمة، فالإقناع يستلزم الأدلة القوية المحسوسة التى لا يتطرق لها الشك لأن الكتب إنما تؤلف لتبقي و تظل وثائقاً ومرجعيات أبدية. من جانب آخر لا يجيب الكتاب عن سؤال هام و جوهري و هو لماذا لم تسارع الضحية الى تسجيل بلاغ في مضابط الشرطة السودانية و حين كانت تجري تحقيقات محلية حول مزاعم الاغتصاب ، فلو ان مفبركي الكتاب تحلَّوا بالقدر اللازم من الحد الأدنى من الذكاء لقدموا بلاغاً و حصلوا على وثيقة طبية تثبت وقوع الجريمة و من ثم يتأسس الجانب المادي الضروري لجريمة الاغتصاب ، فالضحية المزعومة هنا- لو كانت صادقة ولو كان الزعم صحيحاً – فانه لا يضيرها ان تقف مؤمنة بقضيتها أمام السلطات السودانية ، فقد قال كل الأطباء الذى عملوا فى دارفور ومن بينهم أطباء أجانب انهم لم يعثروا على حالات اغتصاب طيلة عملهم بدارفور ،وبعد ان توفروا على إجراء الكشف الطبي على عشرات الآلاف من المرضي النساء . و اخيراً ..و لعل مما يثير الشفقة حيال هذه الفرية المزعومة هذه أنها اول جريمة اغتصاب (فردية) و ليست جماعية يتم تأليف كتاب لها. و يقابل الضحية رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية و يخصص لها(مؤتمراً صحفياً) بينما تعج سجلات الشرطة فى مدينة نيويورك وحدها بمئات حالات الاغتصاب الدامية يومياً حسب ما تشير الإحصائيات التى لا تنشرها الصحف ولا تهتم بها على اعتبارها أمراً معتاداً و قليل الأهمية !