هيمنت مفردات الحرب بين شمال وجنوب السودان على الفضاءات المحلية والدولية خلال الأسابيع القليلة الماضية، فعوضاً من أن يكرس شريكا الحكم في السودان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، الخطوات والإجراءات والاستحقاقات التي تفضي إلى استفتاء حر ونزيه وسلس وشفاف، فقد درج المسؤولون في الجانبين على التلويح والتحذير من احتمالات الحرب المقيتة في نفس الوقت، إطلاق سيناريوهات قرع طبول الحرب البغيضة من جديد لسودان شاء القدر الرحيم أن يكون بوتقة انصهرت، وتنصهر فيها الديانات، والأعراق، والثقافات، على مدى سنين عديدة وسياسات خؤونة للواقع وظالمة للتاريخ. فقد حذر الرئيس السوداني عمر البشير من تجدد الحرب في السودان حيث قال مخاطبا اجتماع مجلس الوزراء الأخير: "إن أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث في تاريخ السودان هو اندلاع حرب بين شماله وجنوبه حال انفصال الجنوب.. وأضاف الرئيس البشير ان حكومته تريد السلام حتى وإن عرض وحدة البلاد للخطر، وفي ذات السياق الذي ينبذ مآلات الحرب، حذرت الحركة الشعبية من أن تقود الخلافات بين دعاة الوحدة ودعاة الانفصال في البلاد إلى تجدد الحرب بين الشمال والجنوب واعتبرت أن أي تلاعب بنتائج الاستفتاء في الجنوب سيؤدي إلى نتائج كارثية حقيقية في السودان. وفي خطاب مختلف، دعا الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني وأمين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني –الحزب الحاكم- الشباب والطلاب إلى الاستعداد للحرب منادياً كل من يستطيع حمل السلاح حماية الوطن من التحديات التي تواجهه حال حدوث الانفصال. وتأتي تصريحات عثمان رداً على خطاب مماثل كرسه بعض دعاة الانفصال في الحركة الشعبية في مناسبات عديدة.. إن الحرب التي يحذر منها الحادبون على استغلال السودان، بدأ يتراءى شررها في الأفق البعيد. والسؤال الأكثر إلحاحاً الآن هو: كيف يمضي السودان في مسيرة مسؤولة وواعية لحجم المخاطر التي ربما يترتب عليها تجدد الحرب الساخنة؟ لقد تلكأ الشريكان في ترسيم الحدود، كما تباطأت وتيرة ترتيبات ما بعد الانفصال، في حين أن وضع أبيي يمثل قنبلة عنقودية تتطاير شظاياها الملتهبة لتعم الوطن بأسره. إن الحدود لا ترسم نفسها بنفسها، وإنما هي بحاجة إلى الاعتراف أولاً بحدود السودان ما قبل يناير 1956، كما أنها بحاجة إلى تعاضد وتضافر جهود الشريكين لإنهاء الترسيم، وتحديد وضع أبيي قبل بدء الاستفتاء في يناير المقبل، كما أن متطلبات واستحقاقات استفتاء حر ونزيه وشفاف تلقى بظلال من الشك مثل تلك التي شابت انتخابات أبريل الماضي. لا تقرعوا طبول الحرب، فإنها مدمرة، ولن يستفيد منها إلا الأعداء، والمتربصون، والناقمون على وحدة السودان واستقراره، وتقدمه، لأن الحرب إذا اندلعت ستجعل القاصي والداني كمن يتنزه داخل نيران الجحيم.. ويا له من جحيم! المصدر: الشرق 3/10/2010