البيان الحاسم الذي أصدره مؤتمر نيويورك صباح أمس جعل السودان أمام تحديات واستحقاقات لا يمكن تحقيقها إلا إذا تحلى المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بالصبر والإصرار، والحكمة، والحنكة لتنظيم استفتاء جنوب السودان بحرية ونزاهة وصدقية وشفافية تبعد شبح الحرب الأهلية، وتقصي التدخلات الخارجية للسودان الذي أصبح مسرحاً لتجارب وتجاذب المجتمع الدولي الذي تقود دفته الإدارة الأمريكية بعصاها الغليظة وجزرتها التي يستعصي أكلها وهضمها. فقد طالب مؤتمر نيويورك الدولي الذي دعا له الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتسريع وتيرة خطوات إجراء استفتاء يحظى ب"نزاهة وصدقية" لتقرير جنوب السودان في التاسع من يناير العام المقبل. وفي المقابل تعهد شريكا الحكم "المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية" قبول نتائجه "وحدة أو انفصالا"، واستمرار التعاون والشراكة بين شطري البلاد في الحالتين. وفي المؤتمر الذي حضره أكثر من أربعين مشاركا، أكد الفريق سلفا كير النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب أن السودان يدخل مرحلة حرجة في تاريخه، وأشار إلى إنهاء الاتفاقية لتفادي العودة إلى الحرب، كما ألمح إلى القضايا التي لا تزال عالقة من بينها وضع الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال في حال الانفصال، وتأخير إجراءات الاستفتاء ومشكلة أبيي وصفها بأنها الزناد الذي يجدد الصراع بين الشمال والجنوب، كما أكد التزام الحركة بإجراء استفتاء سلس وسهل. وفي ذات السياق، أكد علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية التزام الحكومة بتنفيذ القرارات الصعبة كافة.. العبارات القوية في خطاب طه للمؤتمر تمثلت في دعوته للتخلي عن الإشارات المتناقضة، والخطب السالبة، خاصة في ما يتعلق بقضية الجنائية، ووصفها بأنها مؤشر سالب، وتؤثر في سيادة الدولة ووضع السودان، بدلاً عن التعاون والتكامل لتحقيق سلام دائم، كما دعا إلى رفع الحظر الاقتصادي عن السودان، فضلاً عن رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب لتحقيق التنمية. ولعل أهم كلمة في مؤتمر نيويورك كانت كلمة الرئيس الأمريكي أوباما، حيث لم يكتف أوباما بحث المجتمع الدولي على العمل من أجل مساعدة السودان في مجال التنمية، ومساعدة شريكي الحكم في تنفيذ اتفاقية السلام كاملاً، بل أكد أن بلاده ستدعم التنمية في جنوب السودان وستعمل كذلك من أجل التوصل إلى سلام نهائي في دارفور. ولم ينس أوباما عصب استراتيجية الولاياتالمتحدة المبنية على التلويح بالعصا، وتقديم الجزرة حين عرض على الخرطوم "إمكانية تحسين العلاقات مع واشنطن إذا عملت على إحلال السلام في السودان، كما حذر من أن عدم القيام بذلك سيؤدي إلى عواقب ومزيد من الضغط وعزلة أكبر". ومع التزام الشريكين بإجراء الاستفتاء في موعده، ومع التزام الحركة بإجراء استفتاء حر ونزيه، تلوح في الأفق مخاوف من أن تكتسي عمليات الاستفتاء عمليات تزوير وخروقات واسعة النطاق في ضوء معاناة أحزاب الجنوب وشكاواهم المستمرة من أن الحركة الشعبية قد أقدمت على عمليات اعتقال بعض نشطاء الوحدة وتحجيم نشاطهم السياسي والتنظيمي لتعظيم خيار الوحدة. كما تلوح في الأفق مخاوف لا تخفى على المتابعين وأهمها: هل يستطيع الشريكان استكمال ترسيم الحدود، والمشورة الشعبية في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق قبل التاسع من يناير؟ المشاهد الحالية بشأن ترتيبات استفتاء نزيه وحر وشفاف ليست بحاجة إلى عصا أوباما، وإنما بحاجة إلى عصا موسى وأعني بها العناية الإلهية التي تنصر السودان على من عاداه، وتنصره على من ظلمه وتبعد عن البلاد كيد ومكائد المتآمرين وتعيد كيدهم إلى نحورهم العارية. المصدر: الشرق 26/9/2010