إلى جانب المعركة المشتعلة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول الوحدة والانفصال ومسؤولية كل منهما، هناك معركة أخرى تجري داخل الحركة الشعبية بين تياري الوحدة والانفصال، بدأت مكتومة وأخذت تخرج إلى العلن مؤخراً عقب الكتابات الناقدة للدكتور الواثق كمير، ثم تصريحات وزير النفط الدكتور لوال دينق في واشنطون، وهو أول مسؤول جنوبي في الحركة يتحدث علانية عن الوحدة، وأخيراً ها هو وليد حامد يخرج عن صمته ويدلي بدلوه فاتحاً النار على التيار الانفصالي في الحركة. الصراع بين طرفي الحركة تجاوز مرحلة طرح وجهات النظر إلى حالة مفصلية تتمحور حول هل ينعقد مجلس التحرير الثوري أم لا. فالتيار الوحدوي يري أن قضية بحجم موقف الحركة من الوحدة والانفصال لا بد له من أن يتخذ في اطار مؤسسي، وكان يؤمل أن يكون في اجتماع المكتب السياسي الذي انعقد في شهر أغسطس الماضي في جوبا مناسبة لاتخاذ موقف واضح ومؤيد للانفصال، يمكن تسويقه فيما بعد لمجلس التحرير. لكن قرار المكتب السياسي جاء ملتبسا، ولم يتمكن من السير في ركاب الخط الانفصالي إلى النهاية، مما يعني وجود مقاومة له، رغم النبرة العالية السائدة في الجنوب وأسهمت في إيجاد مناخ تخويني لكل من يرفع صوته مؤيداً للوحدة. نجاح التيار الوحدوي في قفل الطريق أمام قرار واضح مؤيد للانفصال في اجتماع المكتب السياسي، سجل نقطة رد عليها التيار الانفصالي بإقناعه رئيس الحركة سلفاكير أن يتحدث صراحة وعلانية في جولته الأمريكية عن انعدام فرص الوحدة، وتأكيد هذا الموقف بخطابه الذي ألقاه في جوبا أثر عودته وانتقل فيه للحديث علانية عن تفضيله لخيار الانفصال، الأمر الذي يسجل نقطة غلاية للتيار الانفصالي لنجاحه في ضم رئيس الحركة إلى جانبه وإلزامه بتصريح علني، وفي جوبا وأمام حشود من مواطني الجنوب يؤيد فيه الانفصال. مباراة النقاط هذه في انتظار جولة حاسمة يرشح أن يكون مسرحها مجلس التحرير الثوري، لكن قبل ذلك هناك قضية هل ينعقد المجلس ابتداءً أم لا ينعقد، اذ توجد العديد من الإشارات عن مساع لعرقلة انعقاده، كما تجري عمليات استقطاب واضحة للعضوية للوقف مع هذا التيار أو ذلك، علماً أن للشماليين في الحركة وجود مقدر يجعل لهم نفوذاً وإذا ما تمكنوا من جذب بعض الأعضاء من جنوب السودان إلى صفوفهم من باب الولاء إلى برنامج السودان الجديد الذي قامت عليه الحركة، فان الفرصة تصبح ممكنة لهزيمة التيار الانفصالي داخل أحد مؤسسات الحركة، الأمر الذي يعطي صديقة للقول الرائج أن الحركة وجهت أولي طلقاتها نحو الانفصاليين. والمطلوب الآن اتخاذ المواقف بالتصويت، لا بالطلقات. حوار الوحدويين والانفصاليين داخل الحركة بن يكون نظرياً حول أيهما أفضل أو ماذا يعني برنامج السودان الجديد، وإنما سيستمد فعاليته من أن هناك عدداً مقدراً من أبناء الشمال خاصة من جنوب كردفان منخرطون في الجيش الشعبي بصفتهم جنوداً، وتقول بعض التقديرات أن إعدادهم تتراوح بين ثمانية آلاف إلى 12 ألفا، وبهذا الثقل فان لهم وزناً لا يمكن الاستهانة به في أهم ساحة، وهي الساحة العسكرية. لكن في المقابل، فان التيار الانفصالي ومن خلال الأجواء التي نجح في نشرها، يملك وجوداً مقدراً في ذات الساحة، للدرجة التي يري فيها البعض أن انحياز سلفاكير وتصريحاته المؤيدة للانفصال وضعت في اعتبارها مخاطبة هذا التيار. لكن وبسبب حالة الاستقطاب هذه، فان مجلس التحرير حتى اذ انعقد قد لا يتخذ قرارا واضحاً، الا اذا حدثت تطورات سياسية، وذلك خوفاً من حدوث انشقاق في الحركة بين تياري الوحدة ولانفصال يأخذ بعداً أثنياً وجغرافياً في إطاري الشمال والجنوب. وإذا انتهت الأمور إلى هذا الوضع، فإنها تعني في الواقع انتصاراً للتيار الانفصال، الذي يمكنه السير قدماً في برنامجه والاستمرار في شحن الأجواء حتى التاسع من يناير ومن ثم تقنين الوضع بما يحب ويرضي. الملمح الأساس في كل هذا غياب النقاش الوطني العام والجاد في قضية بحجم الوحدة والانفصال، وليس أدل على هذا من انزواء الأحزاب السياسية واقتصارها على تحركات من باب تسجيل المواقف، أكثر من كونها رقماً يعتد به في مآلات الأمور، الأمر الذي يفتح الباب أمام المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلى ممارسة ما ظلا يمارسانه طوال السنوات الخمس الماضية من المضي إلى حافة الهاوية ثم العودة عنها من خلال التوصل إلى صفقات بينهما من خلال الاستخدام الفعال للكروت التي يملكانها. واذا كانت الحركة تملك كرت الانفصال وتلوح به مدعومة بمساندة أمريكية واضحة، فان المؤتمر الوطني لا يزال يحتفظ بورقة الاعتراف بنتائج الاستفتاء ، حيث يؤكد في كل مرة استعداده ورغبته في قيامه في موعده، مضيفاً أن يكون استفتاء حراً ونزيهاً. وفي ظروف الضغط ألزماني المعلوم، فان الاستفتاء مرشح أما إلى التأجيل لإفساح الوقت لترتيبات أفضل تساعد في أن يكون حراً ونزيهاً، أ, تتم (كلفتته) وإجراؤه مع شيء من الخروقات مثلما حدث في الانتخابات. يبقي السؤال اذ كان مثل هذا الأجراء سيتم باتفاق مع المؤتمر الوطني أم لا، خاصة والأخير يمكنه بناء تحالفات تخص موضوع الاعتراف استناداً إلى البيان الختامي للقاء الأممالمتحدة الذي أكد على أهمية أجراء استفتاء في موعده وان يكون حراً ونزيهاً. وفي اجتماع القمة العربية الأفريقية الثانية في سرت الليبية الأسبوع المقبل، وقمة الإيقاد التي اقترحها الرئيس الكيني كيباكي الشهر المقبل، كذلك ما يتيح الفرصة للتأكيد على مبدأ قيام استفتاء حر ونزيه ويوفر حائطا إقليمياً ضد الاعتراف باستفتاء لا تتوفر فيه تلك الشروط، الأمر الذي يفتح الباب أمام صفقات تطال قضايا ما بعد الاستفتاء وعلى رأسها ترسيم الحدود وابيي والنفط. نقلاً عن صحيفة الإخبار 6/10/2010م