مع اقتراب موعد استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، تتجدد العديد من الأسئلة السياسية حول ما يمكن أن تؤول اليه الأوضاع في الساحة السودانية، في حال وقوع الانفصال بالفعل، وهي أسئلة تعكس القلق لدى فئات عريضة من الشعب السوداني على مصير الوطن بأسره، وليس الجنوب فحسب، في هذا التوقيت المشحون بالمخاطر والذي تكتسي فيه مواقف بعض الأطراف المؤثرة في العملية السياسية بالغموض. في مقدمة الأسئلة المنطقية المطروحة في الشارع السوداني التساؤل حول مآل حالة السلم التي سادت السودان، شماله وجنوبه منذ يناير 2005 حتى الآن. ان النظرة العقلانية التي تستبطن احتمالي الوحدة والانفصال كاحتمالين لا ثالث لهما حاليا، فيما يتعلق باستحقاق الاستفتاء، تستند الى تأكيد ضرورة الحرص في الحالتين على عدم المساس بالاستقرار في الشمال والجنوب على المديين القصير والبعيد. من جانب آخر تتجه بعض الاسئلة السياسية الراهنة الى طرح التساؤل حول دور المجتمع الدولي، ووسطه مواقف المساندة للسودان من قبل الدول العربية والاسلامية والافريقية ومؤسسات الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي والاتحاد الافريقي، للحيلولة دون عودة الحرب الاهلية في جنوب السودان، وذلك في حال حدوث ما لا يتمناه الكثيرون بانزلاق بعض الاطراف الى دوامة عنف وعنف مضاد في ظل تداعيات نتيجة الاستفتاء المرتقب. في هذا الجانب نشير الى ان هنالك اهتماما دوليا مكثف بالوضع في السودان، وهو ما عكسه اجتماع نيويورك الاخير حول السودان. ونمضي هنا الى القول بأنه من المهم ان يستثمر السودان اهتمام العالم بمشاكله ليتم توظيف ذلك الامر باتجاه ايجابي يحقق للبلاد مصالحها الاستراتيجية. وفي السياق ذاته، فان كل الدلائل تؤكد بأن الساحة السياسية في السودان تحتاج الى تعزيز ما بدأ في اوقات سابقة من خطوات مرتبطة بمسيرة البحث عن الوفاق الوطني الذي يكفل مشاركة الجميع في تقرير مصير الاوضاع في السودان، سواء انتهى الاستفتاء بنتيجة ايجابية وهي تأكيد الوحدة، أو حدث ما لا تريده الاغلبية ونعني بذلك وقوع الانفصال. ونرى أن التطورات الخطيرة الراهنة تستدعي تكثيف جهود الفرقاء لمجابهة تحديات المرحلة الحالية من عمر السودان. ونقول بأن هذا الجهد السياسي المنتظر، ينبغي ان يتجه الى استكشاف انجع السبل لتلافي التداعيات السلبية المحتملة، المرتسمة في افق المشهد السوداني الآن. ان الترقب يتزايد، داخل السودان وخارجه، اذ يعتبر المهمومون بالقضايا المصيرية السودانية، ان ما رشح مؤخرا من اشارات علنية لقيادات في الحركة الشعبية وهي اشارات تنحاز منذ الآن الى خيار (الانفصال)، يتجه بأحاسيس اهل السودان صوب منعطفات يظللها اليأس من مآلات الحال. وبرغم الشعور بالمرارة من طبيعة هذه التصريحات التي وقتت في توقيت قريب جدا من لحظة الاستفتاء، الا ان ارادة العمل السياسي الوطني يجب ان لا تفت عضدها مثل هذه التصريحات. ان ما يستشفه العديد من المراقبين للأوضاع السودانية الآن، هو تأكيد أهمية التشبث بالآمال الباقية، الآمال في احتفاظ كل الاطراف السياسية بالتوجه العقلاني ازاء ما قد تسفر عنه نتيجة تصويت مواطني جنوب السودان، في يناير 2011، حول المصير المرتقب للبلاد، ما بين احتمالي صون الوحدة أو القبول بالتفريط بها، والقرار هنا - بالطبع - هو قرار مواطن الجنوب وحده، وفقا لما نص عليه اتفاق السلام بين الحكومة والحركة تحت مظلة منبر (شركاء ايقاد). ان المرحلة المقبلة في السودان كله، شماله وجنوبه، هي مرحلة مشحونة بالحساسيات الكثيرة المرتبطة بالموقف الراهن الذي آلت اليه اوضاع السودان.. اذ أن القوى السياسية قد قدرت سياسيا، انه ليس بامكانها التهرب من منح ابناء الجنوب (حق تقرير المصير) بصورة ديمقراطية سلمية يرعى انفاذها المجتمع الدولي عبر آلياته القانونية والسياسية القائمة. ووسط حساسيات الموقف المتعلق بحسم قضية جنوب السودان، فان العديد من الاحتمالات تظل واردة.. فقد تثور توترات في الشارع، شمالا وجنوبا، بسبب الحساسية السياسية وبسبب الخلفيات السابقة لصراعات الواقع السوداني في العقود والاعوام المتتالية، خصوصا سجل ما اصطلح على تسميته ب «مرارات أزمنة الحروب في دوراتها المتقطعة». ان مشهد تقرير مصير وطن، وهو وطن سمي ب «الوطن القارة»، وسمي ب «سلة الغذاء العالمي»،هو مشهد يستجمع افكارا وأحاسيس شتى.. ويصعب التكهن حاليا بما ستكون عليه اوضاع الساحة السودانية عندما يحين موعد انفاذ هذا الاستحقاق التاريخي المهم وغير المسبوق، بالنسبة للسودان ولدول جواره بشكل خاص.ان الحراك السياسي الراهن على الساحة السودانية يضع قضية مصير الجنوب في اول سلم اهتماماته. ومن المهم هنا ان نشير الى بعض النقاط التي وردت عبر المؤتمر الصحفي لنائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه في الخرطوم (الاثنين 4 أكتوبر). لقد رد طه على سؤال حول رد فعله ازاء تصريح سلفا كير النائب الاول للرئيس السوداني بشأن رغبته في التصويت لصالح الانفصال، رد طه بقوله: ان هذا هو رأي كير الشخصي وليس رأيه كرئيس للحركة او كنائب اول لرئيس الجمهورية. ولو كان حديثه بالصفتين الاخيرتين لتم التفكير في محاسبته سياسيا. وكان مهماً قول طه بأن من يفكرون في فصل الجنوب «يسبحون عكس تيار التاريخ». نقول في سياق عام ان تصاعد المخاطر المهددة لوحدة السودان وسط ارهاصات بتأثير قوى خارجية معينة على قيادات بالحركة لحثها على العمل للانفصال، هو أمر يستدعي يقظة كاملة من قبل قيادات الاحزاب الرئيسية في السودان.. واليقظة دائما يتبعها التفكير العقلاني الذي يسبق القرارات الحاسمة لوضع حد لتداعيات تشتت الصف وتفرق كلمة أهل السودان.. فقد آن الأوان بالفعل لحراك سياسي جماعي في السودان يكون منطلقه الرغبة الصادقة والمخلصة في تأمين الوطن من هذه الأخطار الكبيرة العاصفة، التي تلوح الآن نذر اقترابها في أفق المشهد السوداني. المصدر: الوطن القطرية 11/10/2010