تحليل سياسي لا شك أنها مفارقة سياسية تدعو فعلاً للتأمل و الاستغراب ، فقبل نحو من 46 عاماً فى مثل يوم يصادف اليوم أنتفضت جماهير الشعب السوداني ضد حكم الرئيس الراحل إبراهيم عبود ،و كان عماد الانتفاضة والثورة إيجاد حل لمشكلة جنوب السودان! كل الأحزاب و القوى السياسية السودانية و فى مقدمتها الإسلاميين السودانيين كانوا قد عقدوا ندوة بجامع الخرطوم لمناقشة حل قضية جنوب السودان ، وسقط جراء ذلك عدد من الشهداء فى مقدمتهم الشهيد القرشي. يومها كان الجميع يتسابق لتقديم ما لديه لصالح الوطن، ولم يكن من أحد يفكر فى ذلك الوقت تفكيراً أنانياً خالصاً و لا كان يدور بخلد أى حزب سياسي توجهاً نحو تأسيس دولتين أو فصل إقليم من أقاليم السودان ، فأحزاب السودان جميعها اجتمعت لتحصل على حل للإقليمالجنوبي و ان يكون الحل حلاً سياسياً خالصاً لا حلاً عن طريق البندقية و الرصاص . ومضت حينها مياهاً كثيرة تحت الجسر ، وتقلبت السنون العقود ليأتي يوم يحصل فيها الجنوب السوداني – على طريق حل مشكلته – على حق تقرير المصير و هو حق لم يحصل عليه الجنوب جراء انتصار حققه أو ضغط نجح فيه ، فأضعف طرفاً لصالحه هو . لقد جاء منح حق تقرير المصير للجنوب فى إطار سعي الشمال لوضع حد نهائي لازمة امتدت لعقود و ظلت تعكر صفو الاستقرار و كان ولا يزال الهدف من وراء هذا الحق هو أن تنتهي مظالم التاريخ ، و تتأسس علاقة وطنية قوية ما بين هذا الاقليم و الشمال فى عمومه. غير ان الأمر المؤسف ان الحركة الشعبية التى أتاحت لها الظروف الآن قيادة الجنوب سرعان ما تنكرت لهذا التاريخ تنكراً مخجلاً . فقد غدرت بالمجهود الوطني المخلص فى مجموعه ،واستهانت بالجميع و استغلت مكاسب السلام و وقف الحرب لتمارس أنانية سياسية ليست من شيم السودانيين مطلقاً توجهت بها باتجاه الاقليم الجنوبي . و ليت الأمر اقتصر على فصل الجنوب ،و لكن ذات الحركة بذرت بذوراً سوداء سامة على الحدود قصدت من ورائها تأجيج الصراع بين الشطرين ، ووضع متاريس بينهما لتكون الحرب أشد مضاضة مما سبق بحيث تكون من قبل دولة فى مواجهة دولة أخري تعتبرها عدوة لها . لقد سعت الحركة الشعبية لقطع كل صلات الجنوب بالشمال مستعيدة قانون المناطق المقفولة البغيض الذى إستنه الاستعمار الانجليزي فى عشرينات القرن الماضي. ان تعبئة الحركة الشعبية للجنوبيين من ساسة الشمال لحل مشكلة الجنوب فى إطار وطني حتى و لو قاد للانفصال تظل اللحمة قوية والود باقٍ . و ما من شك ان الحركة ايضاً تجمع مسلحي دارفور ليشنوا حرباً ضارية من جديد ضد الشمال ، وكل ذلك مما يدمي الفؤاد، إذ كيف انتزعت الحركة أحشاء السودان و بقرت بطن أبنائه و هى التى لم تكن شيئاً مذكوراً حين ضحي أبناء السودان قاطبة من اجل حل مشكلة الجنوب. لقد عضت الحركة الشعبية يد السودانيين جميعاً غدراً و انتقاماً !