في أندونيسيا انفصل أقليم تيمور الشرقية بعد إجراء استفتاء شفاف وآمن ودون وقوع أية مشكلات أو إراقة دماء.. لأسباب كانت مقنعة للدولة الأم ولأهل الأقليم، برغم أن عملية الانفصال نفسها تمت بسيناريوهات غربية وقوات أسترالية وغيرها إنابة عن الغرب الصليبي، الذي رتب لتلك العملية في دولة إسلامية سكانها يفوتون كل سكان العالم الإسلامي، ومسلموها هم الأكثر عدداً في العالم الإسلامي.. في الوقت الذي تقاتل فيه إثنيات أخرى من دول هي ذاتها التي تدعم عمليات التمرد والإرهاب ودعوات الانفصال.. مثل فرنسا وأسبانيا وثوار أقليم الباسك الذين يطالبون بدولتهم منذ ما يقارب القرن.. والدول الغربية وما يعرف بالمجتمع الدولي لا يعير بالاً لذلك.. وهناك ثوار الشيشان المسلمون الذين يسعون لنيل استحقاقاتهم السياسية ودولتهم، شأنهم شأن الجمهوريات السوفيتية التي نالت استقلالها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي فيتم قمعهم بصورة وحشية ولا يجدون أي قدر من التعاطف الدولي مثل الذي يحدث في دول العالم الإسلامي والعربي وأفريقيا.. هناك أقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان ورغبات المواطنين في الاستقلال.. وهناك الكثير من النماذج التي تحاكى نموذج السودان جنوبه وشماله.. ولكن الذي يحرك الغرب ليس العدل ولا الحالة الإنسانية ولا الديمقراطية ولا طلب المساواة.. ولا السلام.. الذي يحرك الغرب أجندة اقتصادية، مناطق نفوذ.. الروح الاستعبادية والاستعلائية والاستعمارية والعنصرية. ولننظر ماذا فعلوا في بوسنيا، ماذا فعلوا في كوسوفو.. أين الشعب المسلم في البانيا، أين حقوق الأقليات في أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. كيف تشرع المؤسسات الدستورية القوانين والدساتير وفق أهواء الساسة.. تحريم الحديث عن المحرقة اليهودية.. منع المسلمات من ارتداء النقاب.. الاعتداء عليهن بالألفاظ والقتل كما في حادث المانيا.. محاكمة من ينطق بكلمة حق عن إسرائيل، كما يجري في فرنسا كيف أُسكت المؤرخون والباحثون في التاريخ عن الحديث عن المحرقة اليهوية المزعومة أين رجاء جارودي.. أين كل الشرفاء والمنصفين والصادقين الذين تناولوا بعلمية وصدق جرائم النازية وإسرائيل في غزةوفلسطين المحتلة! وأمريكا وبريطانيا في العراق وأفغانستان.. والحصار المضروب على إيران والسودان.. والحرب المستعرة المدمرة التي تزهق الآلاف من أهل الصومال.. أين القوانين الدولية والأمم المتحدة والمنظمات التي تدعي الإنسانية من قضية باخرة الحرية «مرمرة» وشهداء الباخرة الذين تدافعوا لرفع الحصار الجائر على شعب فلسطين في الضفة وغزة؟!. قضيتنا نحن في السودان تم إعدادها ورسمها وإنزالها على الأرض قبل ما يزيد عن القرن.. وهي ذات العملية التي رسمت الحدود لدول أفريقيا وحددت مراكز النفوذ لكل دولة استعمارية خرجت من القارة بعد ربط الاقتصاد والسياسة والثقافة بثقافاتها حتى أن هذه الدول عربية أم أفريقية لا تخرج عن خطها الإستراتيجي.. والتي تسعى أو تحاول الخروج تُروَّع وتقهر وتحاصر وتنفذ عليها الأجندة الإستراتيجية الموضوعة منذ عشرات السنين.. انظر حال أفريقيا التي تحاول أن تحقق أدنى درجات الوحدة كيف تجري حولها التجاذبات.. أين ثروات نيجيريا البترولية.. هل استقرت هذه الدولة الكبيرة الغنية.. ألم يفتحوا لها جبهة انفصالية بقيادة الجنرال أوجوكو.. أين ثروات سيراليون.. غانا.. الكونغو.. جميع هذه الدول وغيرها تملك ثروات هائلة.. ولكن الاستعمار يشعل فيها النيران والحروب الأهلية والتمرد حتى لا تخلو بنفسها وتستخرج ثرواتها من باطن الأرض.. وما يجري لنا في السودان فصل من فصول المؤامرة بوضوح شديد جداً ولدرجة التدخل العسكري عبر الإمكانيات التكنولوجية.اتفاقية السلام واضحة في موادها ومقرراتها.. حق تقرير المصير والاستفتاء لا أحد ينكره والإجراءات تمضي لآجالها.. ما يصدر عن جيش الحركة سواء في أبيي أو الحدود أمر خارج ومخالف لما اتفق عليه... والحديث عن الحرب هو حديث صادر عن قيادات الحركة، وعلى رأسها أمينها العام باقان أموم.. من حق قادة الحركة الناشطين لتحقيق الانفصال ومناصريهم من القوى الصهيونية والاستعمارية «وشركاء الإيقاد» حشد الدعم لفكرتهم تماماً، كما يقوم أنصار الوحدة بذلك، رغم أن الاتفاقية دعت لإعلاء شأن الوحدة وليس العكس.. الشمال لم يدخل في خضم الاتفاقية وهو مهزوم على الأرض، بل كان منتصراً وكاد النصر يبلغ مداه إلى أن تدخل الشركاء و الداعمون للتمرد وضغطوا لقبول مقترحهم القاضي بتوقيع الاتفاقية.. وهم الذين وزَّعوا الوعود وزرعوا الآمال بسلام مستدام، وإعادة بناء لما دمرته الحرب الطويلة.. «ولنسأل هنا» من الذي دمر الكباري والمنشآت ومن الذي أحرق القرى وجنَّد الأطفال وسرق ماشية المواطنين!؟ بكل أسف أحزاب شمالية تدعي الحرص على وحدة السودان وسلامة وديمقراطية الدولة.. هي التي وقفت مع الحركة لمجرد كونها تعارض الحكومة.. وهي التي عقدت الصفقات مع المتمردين في أمبو وكوكادام وأديس.. وهي التي قررت في أسمرة في مؤتمر القضايا المصيرية منح الجنوب حق تقرير المصير«ومنها وردت كلمة المصير في ذلك المؤتمر».. ذاكرة التاريخ حاضرة.. ولذات الأغراض والأسباب كان تجمع أحزاب جوبا مع الحركة الشعبية.. ومنها كانت مشكلة دارفور، بحيث يظل السودان مشدوداً إلى الأطراف حتى يرهق المركز ممثلاً في حكومة الإنقاذ.. وللأحزاب الشمالية وعلى رأسها الحزب الشيوعي وعبر منسوبيه من الحركة وممثليه الضلع الأكبر في الدفع نحو إنفصال الجنوب وقيام دولة يمكن أن تستوعب أفكارهم وتجمع شتات أنصارهم المنتشرين ما بين أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية.. إذن هناك أحزاب وجماعات وفصائل شمالية وجنوبية ضالعة في خلق المناخ السياسي العكر الذي تعيشه بلادنا.. ونقول بذلك للتاريخ ولعلم الأجيال القادمة. هناك ثوابت لا يختلف عليها اثنان أولها الوطن وسلامة وحدته.. الحكومات تقوم وتنتهي ولكن الدول تبقى ما بقى الدهر.. السودان ظل دولة واحدة منذ العهد الملكي النوبي.. ولم يطالب أحد أو يعمل على تلاشيه سوى المستعمر الذي سعى دوماً وأبداً لتفتيت وحدته وتشتيت أهله لكي يسهل عليه حكمه.. وها هي أحزابنا تفشل في الإجماع على ثوابت الوطن و وحدته واستقلاله.. وهي تظن وتعتقد أو يُعتقد لها ذلك.. بأنه إذا انفصل الجنوب فإن وزر ذلك سوف ينعكس سلباً ويعود دماراً على المؤتمر الوطني.. وينتظرون تلك اللحظة ومعهم المستعمر بأجندته للقضاء على الإنقاذ ورموزه حتى تخلو لهم الساحة.. ولكن هيهات لهم ذلك.. أفيقوا من سباتكم أيها الحالمون وحكموا عقولكم.. فالسودان الواحد بلد الجميع.. وإذا انفصل الجنوب فإن وزر ذلك لن يعود للمؤتمر الوطني بقدر ما يعود للمتسببين منذ الثمانينات في ذلك وفي نهاية المطاف سوف يعلمون كم هو حجم الجرم الذي يرتكبونه في حق الوطن الذي ظل واحداً طوال القرون الماضية.. وحديث الوحدة يستمر حتى التاسع من يناير 2011. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 20/10/2010م