متي كان لأمريكا رطب اتجاه شعب السودان حتي تتهافت بتقديم عروضها بما يشبه الإغراء للحكومة السودانية لقيام الاستفتاء في موعده وإجراء عملية فصل الجنوب بسلام وتحت ستار اتفاقية السلام الموقعة بين طرفي الحكم؟ واذا كان لأمريكا هذا الكبد الرطب تجاه كل القضايا الإنسانية وحقوق الشعوب في التحرر والانعتاق فمتي سيقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو الذي علقت عليه الأماني والآمال ليتحدث عن تقديم حوافز توقف الإبادة والانتهاكات في فلسطينالمحتلة علي غرار ما ورد تجاه السودان؟ أم أن ضميره ومصالح بلاده في السلام والأمن لا توجب عليه وعلي المجتمع الدولي التصرف بسرعة وتصميم وتقديم حوافز عندما يتعلق الأمر بجرائم حرب وابادة ومحارق ترتكبها إسرائيل.. ثم يجئ السؤال الأهم كيف لنا نحن أهل السودان أن نثق في كل النوايا الأمريكية وهي تتعامل معنا بسياسة العصا والجزرة منذ ادارة بوش.. فالواقع يقول غير ذلك وكلنا يعرف الدور الامريكي تجاه دارفور عندما تم الكشف عن كيفية تزوير التقارير علي الوضع في الاقليم لاسدراج التدخل الاجنبي في السودان لتغلغل فيه والعمل ضد مصالحة وضد وحدته واستخدام العامل الانساني مطية لأغراض خاصة لمحترفي التدخل لزرع الفوضي خصوصاً كيف يكون هناك نفط وثروات وحيث يكون في تغيير القدرات ما يخدم اسرائيل واحتلالها وارهابها.. فأمريكا في معظم الحالات تمثل سيف الضغوط وأحياناً الحروب لذا فان موقف الادارة الامريكية لا يكتسب الصدقية في الشأن السوداني لأنها لم تنبع من حرص علي السودان وخصوصا علي وحدته وثرواته وسلمه.. لذا وضح للجميع أن سياسية العصا والجزرة لم يظهر منها حتي الآن سوي عصا مدمرة وجزرة مسموعة, وحسناً فعلت الحكومة السودانية وهي ترفض بوعي كامل ما أسمته الإدارة الأمريكية بالحوافز فقد أدركت الحكومة بتجاربها أن السم قد دس لها وكان لابد من الرفض.. الإستراتيجية الأمريكية تجاه السودان التي بات عنوانها الرئيسي السودان لحظة حرجة ونهج شامل تؤكد حقيقة النوايا الأمريكية لاسيما والأمر يتعلق بانفصال الجنوب بطرق سلميه خوفاً من اندلاع صراعات في العديد من المناطق مثل أبيي وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وهي مناطق تداخل بين الشمال والجنوب يمكن أن تكون بؤر للصراع وهي ذاتها التي تحتوي الثروات النفطية والمعادن وهي ذاتها المناطق التي ينظر بعض واضعي خطط المصالح الأمريكية لها كمنجم للطاقة والثروات وبالتالي فان إعلان حسن النوايا الأمريكي هذا له وجه أخر من العملية يتمثل في استمرارية الحكومة الحالية بضمان قيام الاستفتاء في موعده الذي من المؤمل ان يكون بداية سيناريو منظم لتفتيت السودان الي أربع أو خمس دويلات ويأتي ذلك في ظل معرفة الادارة الأمريكية أن الجنوب غير مؤهل بالمرة ليكون دولة ومع ذلك فهي مستمرة في التسويق للانفصال بواسطة الدبلوماسية الناعمة واستخدام أسلوب جديد يقيها حرج التدخل في السودان لاحقاً وقد رأت أمريكا أنه قد حان الأوان لتفعيل هذه الإستراتيجية بأسلوب المصالحة المنسوب لطبيعة سياسات أوباما والتي تتناسب والواقع الاقتصادي الأمريكي الذي بات بغير ذي قدرة كما كان سابقاً في التدخل المباشر عن طريق الاحتلال. من كل ذلك يتبن لنا مدي الثقة التي تتمتع بها الادارة الأمريكية بسياستها اتجاه السودان التي جعلتها تواصل بنود استارتيجيتها ذات السيناريو المحكم والموضوع منذ سنوات المعبر عن تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية لأمريكا التي تعمل بكل الأساليب أن تكون الفترة الانتقالية نقطة حاسمة في علاقة الشمال بالجنوب وهي الفترة التي ينتظرها العالم كله فلن تكون واشنطن فقط وان كانت هي اللاعب الرئيسي بشأن مستقبل السودان فهناك جهات ودول تمثل الغرب عموماً وربما تتضمن الصين وروسيا بترضيات دبلوماسية مع احتفاظ واشنطن اليد العليا فيما يتعلق بالثروة النفطية ومخزون السودان المكتشف الهائل في وسط البلاد وجنوبها والذي اكتشفته شركات أمريكية كبري أجبرت علي الانسحاب قبل سنوات فطمرت أباراً اكتشفتها وأبقت أسرار مواضع ومكامن الثروة إلي أن يحين وقت الانقضاض عليها, وبعض هذه الثروات أعادت الصين اكتشافها ما خلق قلقاً عظيماً لدي واشنطن وسارعت إلي وضع الإستراتيجية التي قاربت علي تحقيق أهدافها. ليت دعاة الانفصال يدركون هذه الصور الكارثية والمعرضة للتكرار مع ألوان أخري تشمل عرقي الشعب السوداني وهو ما لابد من وضعه في الاعتبار ووفد الحكومة يتأهب للسفر إلي واشنطن في لقاء يجمع طرفي اتفاقية نيفاشا مع الإدارة الأمريكية في جلسة تريد لها إدارة أوباما أن تكون بداية النهاية لعلاقة الشمال مع الجنوب وهي ذات الرؤيا التي كان يراها الراحل جون قرنق وجعلته متخوفاً من هذا السيناريو فقد كان الرجل وبحكم التصاقة بالادارة الأمريكية يشتم النوايا وهو ذات السبب الذي جعل علامات الاستفهام توضع حول اختفائه المفاجئ في حادثة طيران مستغربة. نقلا عن صحيفة التيار السودانية 21/10/2010م