الموقف المتذبذب من قبل الحركة الشعبية تجاه الخيار من الوحدة أو الانفصال ? رغم إنحيازها الواضح للخيار الأخير لا يمكن عزل هذا التردد والتضارب أحياناً في تحديد الموقف النهائي للحركة عبر مؤسساتها التنظيمية أو التشريعية ? لا يمكن عزله عن مواقف المؤثرين في قرارات وتوجهات الحركة من المجتمع الدولي وعلى رأسهم الولاياتالأمريكية، فالموقف الأمريكي يمكن قراءته من منطلقين يمثلان أهم التيارات المهتمة بالشأن السوداني - التيار الأول هو تيار اللوبي الصهيوني المدعوم من الكنيسة المسيحية واليمين المتطرف عموماً وهذا التيار يدعم خيار انفصال الجنوب بشدة لأنه يحقق لإسرائيل حليفاً إستراتيجياً هو دولة الجنوب في العمق الأفريقي وحزام أمان خلف الوطن العربي تستطيع من خلاله اختراق بعض الدول العربية وتستهدف مواردها الإستراتيجية لا سيما مياه النيل التي تؤثر مباشرة على مصر، وكذلك تستطيع من خلاله التغلغل في بعض الدول المطلة على الممرات المائية بالبحر الأحمر، أما موقف الكنيسة الداعم للانفصال فيتمثل في أهمية وجود دولة مسيحية خالصة في الجنوب تشكل منطقة عازلة أمام المد الإسلامي الذي انتشر في عدة دول أفريقية مجاورة مثل يوغندا التي بدأ صوت الاسلام فيها يعلو، وبذلك يصبح الجنوب منطلقاً للحملات التبشيرية في أفريقيا - أما التيار الثاني الذي يدعم خيار وحدة السودان ويدعمه من يسمون الآن أولاد قرنق بالحركة الشعبية فهذا التيار يدعم الوحدة من خلال نظرية أن السودان لا يمكن الاستفادة من جزء منه دون الآخر ولكن مطلوب التغيير السلس وعلى المدى الطويل لتغيير النظام القائم في الخرطوم ومن خلال مدخل التحول الديمقراطي، وأن أول خطوات هذا المشروع بدأت بتوقيع اتفاق السلام مع الجنوب وإدراج بند التحول الديمقراطي كأحد مستحقات هذا الاتفاق وبإجراء الانتخابات الأخيرة في أبريل الماضي يرى هذا التيار أن هذه الخطوة هي أول خطوات ترويض المؤتمر الوطني لتستطيع بعد ذلك الحركة الشعبية مدعومة ببعض القوى السياسية المعارضة للإنقاذ وبعض مجموعات التمرد في دارفور في تشكيل جبهة عريضة تستطيع التحالف أمام المؤتمر الوطني في الدورات الانتخابية المقبلة وأن يتم هذا التحول ببطء حتى إذا تم بعد دورتين انتخابيتين أو أكثر بحيث تؤول الأوضاع والسلطة في السودان الموحد لنظام يوالي لأمريكا ويسمى المولود الجديد (السودان الجديد) وفق رؤية أولاد قرنق الذين تدعم فكرتهم أصحاب الأموال وشركات البترول الأمريكية التي تضغط إما بفك الحظر الاقتصادي على السودان لتجد موطيء قدم لإستثماراتها أو تغيير سلوك النظام السوداني ليصبح موالياً لأمريكا. ويتفق مع هؤلاء الداعين لوحدة السودان العسكريين المخططين للمشروع العسكري الأمريكي في أفريقيا (أفريكوم) تدعمهم في ذلك لجنة الاستخبارات بالكونجرس وبعض الدبلوماسيين لكي تستطيع هذه المجموعة العسكرية تنفيذ مخطط عسكري كثر تداوله نظرياً يسمى (الآفريكوم) وهي قوات هجومية للتدخل السريع في أفريقيا حيث ظل الجيش الأمريكي يقوم بهذا الدور في التدخل في أفريقيا انطلاقاً من البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادي أو منطقة الخليج وهذا وضع يصفه العسكريون بالمكلف مادياً ولا يحقق السرعة المطلوبة - لذلك يجب عدم تفسير اهتمام بعض الدوائر الرسمية في الولاياتالمتحدة بالجنوب باعتباره دعماً للانفصال بل محاولات للتعرف على البيئة أكثر وتدريب وتأهيل القادة الجنوبيين للقيام بدورهم المرسوم مستقبلاً وهذه المجموعة العسكرية ترى في انفصال الجنوب بجانب الأسباب الواردة خطراً على قاعدتهم العسكرية هذه من حيث تمكن جيش الرب من إجتياح كل مناطق الجنوب مما يشكل مهدداً للقوات الأمريكية ? وكذلك محاولة الاستفادة من فترات الحكم شبه المستقل للجنوب تمهيداً للتغيير المطلوب في مرحلة السودان الجديد. من واقع اهتمام هذين التيارين يمكننا أن نقرأ موقف الحركة الشعبية التي يرقص قادتها على أنغام هذه السيمفونية المتناقضة بين دعاة الوحدة والانفصال، لذلك لا يجب الحكم على الموقف النهائي للحركة من خلال هذه التصريحات الاضطرارية لبعض قاداتها التي يُحاولون بها سداد مديونيات الخارج.. واخطر ما في الأمر أن الحركة الشعبية ستكون معرضة للانقسام تماماً إذا أعلنت أياً من الموقفين تجاه الوحدة أو الانفصال، فكل من الوحدويين أو الانفصاليين رأسه في مشنقة الطامعين الدوليين وعليه دين واجب السداد ومن بينها صفقات بمليارات الدولارات لشراء أسلحة طائرات ودبابات لصالح الجيش الشعبي منحت كقروض وديون للحركة الشعبية. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 21/10/2010م