نظم مركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر يوم السبت 2/ يناير/2010م بمركز الشهيد الزبير، منتداه الدوري تحت عنوان (الإستراتيجية الأمريكية تجاه السودان)، تحدث فيه كل من حسن مكي مدير جامعة إفريقيا العالمية، وحسن سيد (أستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا)، وعقب عليهم د. إبراهيم الأمين، ود. إبراهيم ميرغني (أستاذ العلوم السياسة بجامعة الزعيم الأزهري). إفتتح الحديث البروفسور حسن مكي وقال: إن أمريكا لم تكن تأريخياً مهتمة بالسودان، وبدأت علاقتها بالسودان عقب الاستقلال، حيث بدأت عام 1957م المعونة الأمريكية للسودان خوفاً من المد الشيوعي بالسودان، وتأرجحت العلاقة بين البلدين في كثير من الفترات ففي أعقاب ثورة أكتوبر وتصاعد اللهجة المعادية لأمريكا من قبل الإسلاميين والشيوعيين توقفت المعونة الأمريكية ولم يعد الأمريكان بقوة إلا في 1972 في أعقاب ضرب نميري للشيوعيين، وتوجت تلك المرحلة بتوقيع اتفاقية أديس أبابا. واستمرت العلاقة في تحسن إلا بعض النكسات البسيطة التي تم تجاوزها، إلى أن بلغت قمة ازدهارها في أواخر عهد نميري، حتى أن الأمريكان سكتوا عن تطبيق الشريعة الإسلامية وإعدام محمود محمد طه، بهدف تمرير مشروعهم الكبير في السودان وهو تهجير الفلاشا، وعلى الرغم من تنفيذ نميري لهذا المشروع بالإضافة لإلغاء محاكم العدالة الناجزة وإبطال الأسلمة في السودان وتصفية البنوك الإسلامية، إلا أن الحكومة الأمريكية لم تغفر لنميري مقتل محمود محمد طه، فكانت أن انتهت مهمته في السودان. يواصل (مكي) وفي عهد الديمقراطية الثالثة كانت أمريكا تعتبر النظام القائم لا يستطيع أن يواصل في خط نميري، بطي مشروع القوانين الإسلامية، والحل السلمي لمشكلة الجنوب، ويقصد بهذا الحل أن يكون الجنوب هو الحاكم والمسيطر على السياسة وموازي للسياسة الشمالية. وفي أعقاب مجئ حكومة الإنقاذ تحفظت الإدارة الأمريكية على الانقلاب بادئ الأمر إلا أن مصر شجعتها على دعم الانقلاب، ولكن بعد أن ظهرت هوية الانقلاب برزت سياسة جديدة تهدف إلى تغير سياسات النظام، وأهم مطلوبات هذا التغيير التعاون في الحرب على الإرهاب بإبعاد الصوت الفلسطيني من السودان، والتطبيع مع إسرائيل، واعتقدت الإدارة الأمريكية أنها وصلت قمة نجاحها في 1999م بانفصام الحركة الإسلامية وإبعاد د.الترابي من السلطة، كما اعتقدت أنها يمكن أن تؤثر في النظام ليغير أهدافه، وتفاجأ الأمريكان بموافقة نظام الإنقاذ للحل السلمي في نيفاشا، وكان الوعد أن ترفع العقوبات عن السودان ولكن تفاجأ السودانيون بقضية دارفور، وبسن الكونغرس الأمريكي لقانون سلام دارفور وإبقائه على العقوبات الاقتصادية على السودان، بينما عقد مجلس وزراء إسرائيل جلسة لمناقشة القضية ونعت ما يجري في دارفور بالإبادة الجماعية. وبرز قول أنه ليس المطلوب فقط أن يغير النظام سياساته بل المطلوب الإطاحة بالنظام. يواصل (مكي) ليقول: الآن عناوين السياسة - وإن كانت هذه العناوين تحمل نوايا مبطنة- تفترض مواصلة الحل لمشكلة دارفور وحل مشكلة أبيي، والمشورة الشعبية وإجراء الانتخابات في أبريل القادم، و مسألة الاستفتاء لجنوب السودان. و لكن هناك مساعٍ من قبل أمريكا لتأجيل الانتخابات إلى نوفمبر القادم وذلك لأنهم يعتقدون أن الانتخابات سيفوز بها المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب، ولن يكون هناك تغيير في الشكل السياسي، بل سيعطي الشرعية للنظام وستعطل مسارات المحكمة الدولية، لذلك ينادون بتأجيل الانتخابات إلى نوفمبر أو أن تكون الانتخابات مركبة وتجرى في يناير القادم2011 متزامنة مع استفتاء تقرير المصير، كما يعتقدون أن البنية في الجنوب هشة جداً، وحتى إن جاء الاستفتاء لصالح الانفصال يجب أن تكون هناك فترة انتقالية لقيام الدولة حتى يتم تأسيس البنى التحتية حتى لا تدخل الدولة الجنوبية في حرب مع مكوناتها وحتى لا تولد فاشلة وحتى يتم استيفاء معادلات النفط، وفي الختام نقول إن السياسية الأمريكية في عهد أوباما حاولت أن تجمع السياسات الأمريكية المتناقضة في السودان (الكونغرس، مجموعات الضغط التي تحركها اللوبيات الصهيونية والكنيسة، ومجوعات حقوق الإنسان) كما تجدر الإشارة أن بعضاً من هذه المجموعات يطالب بإقالة النظام. المتحدث الثاني حسن سيد أشار إلى انزعاج الحكومة الأمريكية من استقلال السودان لموارده البترولية بمساعدة كثير من الدول الآسيوية مما جعل الإدارة الأمريكية تواصل إستراتيجية معادية له، و حتى بعد مجيء أوباما ورفعه لشعار التغيير، فقد استمر في نفس السيناريو السابق وأرسل مبعوث خاص للسودان (غرايشون) ورغم من تصريحات المبعوث الايجابية، واستمرار الحوار لكن لم نصل إلى مرحلة تطبيع العلاقات حيث لم ترفع الولاياتالمتحدةالأمريكية السودان من قائمة الإرهاب وما زالت العقوبات الاقتصادية قائمة كما لم تتغير السياسة الأمريكية تجاه دارفور والقول بحدوث إبادة جماعية في دارفور، وتواصل دعمها للمحكمة الدولية في مواجهة الرئيس البشير، كذلك ما يلفت للنظر أن الإستراتيجية الأمريكية قد اتخذت موقفاً مغايراً في أزمة دارفور عن الجنوب، بتحريك أدوات جديدة ومتطورة في الصراع (عسكرية- سياسية- دبلوماسية- وقضائية)، ويبدو واضحا أن الإستراتيجية الأمريكية تسعى لاستغلال موارد البلاد وإلى شد أطرافها بهدف تمزيقها إلى دويلات، وخلق بؤر للصراع في الداخل مثل أبيي وجنوب كرد فان وجنوب النيل الأزرق. أخيراً يمكن القول على الرغم من التحول الذي حدث في أمريكا من محاولة إسقاط النظام إلى التعاون لتحقيق السلام في السودان إلا أن الإستراتيجية الأمريكية لم تتراجع عن أهدافها الخفية بشد أطراف السودان بغرض تمزيقه وزعزعة استقراره كما وضح في أزمة دارفور، وما زالت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدعم حركات التمرد في السودان، وذلك لخلفية نظام الخرطوم الإسلامي والتعاون الاستثماري مع الدول غير الغربية مثل (الصين) مما أزعج الحكومة الأمريكية التي تسعى لربط السودان مع منطقة القرن الإفريقي والاستفادة من البترول الأفريقي لسد احتياجاتها، ومن ثم ليس من المتوقع أن تغير الإدارة الحالية الإستراتيجية الأمريكية التي بدأت قبل 20عاماً أو يزيد، من غير أن تحقق أهدافها في السودان. ومن المتوقع تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية في شؤون السودان الداخلية سعياً لخلق الأزمات من أجل إضعاف حكومة الإنقاذ تحقيقاً لأهدافها الإستراتيجية، وإذا كانت تتحدث عن أهداف مثالية (تحقيق الديمقراطية في العالم- حقوق الإنسان) لكنها بلا شك تستعمل سياسة الكيل بمكيالين في تعاملها مع الأطراف المختلفة. المتحدث الثالث إبراهيم الأمين قال: الولاياتالمتحدةالأمريكية تربط سياستها في كل العالم بمصلحتها، وفي سبيل مصالحها تستطيع أن تتعامل مع النظم الشمولية والديمقراطية، وتتدخل عسكرياً، وأن تفعل كل شيء من أجل حماية مصالحها، وكما يقول جون فوستر ( إن حدود الولاياتالمتحدةالأمريكية هي حدود مصالحها). أما المتحدث الأخير د.إبراهيم ميرغني فقد افترض أن هناك أسئلة ملحة نحتاج لنجيب عليها من خلال قراءة الإستراتيجية الأمريكية هي هل الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الوحدة أم الانفصال؟ والإجابة عندي( والحديث لميرغني) إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد وحدة السودان لعدة أسباب منها إعادة ترتيب السودان بشكل آخر بحيث تسيطر عليه عناصر غير عربية أو إسلامية، أما عن قضية دارفور المثارة اليوم، فالحكومة السودانية تقول إن الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تريد سلاماً في السودان لأنه بمجرد التوقيع على سلام الجنوب فتحت جبهة دارفور، وأضيف بأنهم سيفتحون لنا جبهات أخرى، إذن لا بد من قراءة الواقع بطريقة صحيحة، فماذا يريد منا هؤلاء، والإجابة عندي بلا شك أنه المشروع الحضاري، فاتفاقية نيفاشا لوحدها لا تكفي، وكل هذا يصب في إطار الصراع الحضاري. يواصل د. ميرغني ويقول والمطلوب الآن في الوحدة (في نظر الأمريكان) دولة مستقرة ، يكون فيها الجنوبيون وأبناء دارفور منتمين للدولة بشكل مختلف عن السابق، وتكون الدولة دستورية تغير كل الدساتير الموجودة الآن وترسم علاقة جديدة للمواطن بالدولة، تؤدي إلى الهدف المطلوب وهو عملية عزل الثقافة العربية والإسلامية عن إفريقيا . النقطة الأخيرة والتي أشار لها د. إبراهيم الأمين هي الوجود الصيني، صحيح أن الوجود الصيني وجود استثماري وليس ثقافي، وصحيح أيضا أن الدولة محتاجة لتلك المساعدة لزيادة دخلها القومي ولكن لا بد أن ننظر لهذه المسألة في علاقتنا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وتأثيراتها.