تحليل سياسي فى ظل ما تنشره الصحف السودانية و وسائل الإعلام المختلفة من تبادل للإتهامات بين الشريكين – الوطني و الحركة – حول ممارسات فاسدة بشأن أولي مراحل عملية الاستفتاء و هى التسجيل ، فان العبرة دون شك ليست بما يتفوه به الساسة من هذا الطرف أو ذاك ، ولكن العبرة بالإجراءات القانونية التى يتم اتخاذها أمام الجهات العدلية المختلفة ، فالذي يهتم فقط بالاستماع الى التصريحات التى تصدر من هنا و هناك لا شك أنه يهدر وقتاً، ولن يتسني له أيضاً الوصول الى الحقيقة و لهذا فان الاهتمام بما هو مقدم أمام الأجهزة العدلية يظل هو الفيصل فى هذا المنحي . وقد أتيح ل(سودان سفاري) الوقوف بنفسها على هذه الوقائع ، كما تم وضعها أمام النيابات العامة و أجهزة الشرطة و أشارت المتابعات الى ان هناك بالفعل عدد ن البلاغات الجنائية و الشكاوي على منضدة هذه النيابات العامة، وقد لاحظنا اولاً أن هناك حوالي 30 بلاغاً جنائياً من جانب مواطنين -غير منتمين للحزب الوطني- و مسئولين من الحزب الوطني فى مواجهة مسئولين ومنسوبين للحركة الشعبية ، أكملت النيابات العامة التحقيق فى هذه البلاغات مع الشاكين و شهودهم ،و من ثم أصدرت أوامر القبض فى مواجهة المتهمين المشتبه بهم . ثانياً ، لاحظنا ايضاً ان النيابات العامة فى ولاية الخرطوم حرصت على التحقيق الدقيق وألزمت الشاكين باستجلاب شهود يؤكدون الوقائع بحيث يمكن القول ان أي بلاغ حققت فيه النيابة العامة و أصدرت على أساسه أوامر قبض، الوقائع فيه ثابتة و ليست محلاً لأي شك ، وذلك منعاً لأي إهدار للوقت أو فتح بلاغات بأدلة ضعيفة . ثالثاُ لاحظنا كذلك ان التهم التى فتحت على أساسها البلاغات تراوحت ما بين التهديد و الضرب و السب و الإهانة ، بما يقع مخالفاً للقانون الجنائي السوداني لسنة 1991 و قانون الاستفتاء لسنة 2009 ، وقد كان المجني عليهم من مواطني الولايات الجنوبية. و الواقع ان هذه الإجراءات العدلية تبدو بكاملها متسقة مع القانون ، ولم نلاحظ وجود بلاغات فى مواجهة قادة أو منسوبين من الحزب الوطني أو أى حزب آخر من أحزاب الشمال أو اي حزب ينتمي للجنوب بخلاف الحركة الشعبية .و من المهم فى هذا الصدد ان نشير الى أن العديد من المراقبين لعملية الاستفتاء الذين وقفوا هم كذلك على هذه الإجراءات العدلية أبدوا بالغ سعادتهم جراء ما وصفوه بالمسلك الحضاري الذى تحلي به الشاكين، لأنهم قرروا الاحتكام للقانون، كما أشاروا الى أن من شأن الفصل فى هذه البلاغات ان يمنح مواطني الجنوب الذين استجابوا لضغوط قادة الجنوب وأحجموا عن التسجيل الثقة فى أنفسهم لمباشرة عملية التسجيل دون الخوف من أحد ، أو الإحجام عن المشاركة فى شأن مصيري مهم كهذا .