تبادل الحزب الوطني و الحركة الشعبية الاتهامات بشأن قيام كل منهما بتحريض الجنوبيين على عدم التسجيل للإستفتاء ، ولأول وهلة ربما بدا الأمر عادياً بالنسبة للطرفين كونهما تعودا منذ دخولهما مضمار الشراكة الشائك على الخلافات و تبادل الاتهامات ، و هى قضية يعتبرها الكثير من المراقبين عادية بحكم التباين السياسي و الفكري البعيد ، وانعدام الثقة بين الطرفين إضافة الى مرارات الحرب الطويلة و تداعياتها لعقود مما خلَّف هذا الشِقاق المستمر. غير ان من المهم فى هذا السياق ان نتمعَّن فى منطقية هذه الاتهامات – بغض النظر عن الوقائع و الأدلة المثبتة لهذه الوقائع ، فنحن ليست أمامنا وقائع مسنودة بأدلة حتى نجري عملية تقييم شبه قضائية لنصدر قراراً فى خاتمة المطاف. و لكن الشئ المتاح أمامنا هو سلوك كل طرف بما يرتبط بمصالحه و أهدافه . أولاً: نلاحظ و على نحو واسع النطاق – دون الحاجة الى أدلة – ان الحركة الشعبية اعتمدت تكتيكاً يقضي بأن تركز كل جهودها على الجنوب، فالمواطن الجنوبي المهم عندها و الذى من المنتظر أن يرجِّح كفة الانفصال هو الذى يسجل اسمه فى سجل الجنوب و يصوت هناك ، وقد اجتهدت الحركة فى هذا الخصوص لإعادة مواطني الجنوب الى الجنوب – ترهيباً وترغيباً – وبالمقابل فهي ليست مهتمة بأى حال من الأحوال بتصويت مواطنيها المقيمين فى الشمال لأنها –ببساطة شديدة و بحسب تكتيكها هذا-لا تثق إلاّ فيمن يسجلون و يصوتون فى الجنوب ، ولهذا كان من الطبيعي ان تمنع المقيمين فى الشمال من التصويت إتساقاً مع تكتيكها هذا ، ولمنع أي ثغرة فى خطتها هذه . ثانياً: ثبت بموجب بلاغات جنائية حققت فيها النيابة العامة و أحالتها للمحاكمة ان مجموعات من قادة الحركة الشعبية مارسوا ضغوطاً و تهديدات ضد مواطنين جنوبيين مقيمين بالشمال للحيلولة دون تسجيلهم ، ومن الطبيعي ان يصدق اى مراقب هذه التهديدات كونها وقعت على جنوبيين ليست لهم مصلحة فى مزاعم كهذه ، كما أنها تهديدات مثبتة بأدلة وشهود ينظرها القضاء . وبالمقابل لم تسجل الحركة الشعبية ولو بلاغ واحد ضد الحزب الوطني تتهمه فيه بارتكاب خروقات أو ترهيب ضد مواطني الجنوب . ثالثاً: من المفهوم ان تسعي الحركة لتهديد بعض مواطنيها حتى يصوتوا للانفصال ولكن من غير المفهوم تماماً ان يهدد الوطني مواطنين جنوبيين للتصويت للوحدة! كيف ذلك؟ فالحركة الشعبية فى يدها غالب مواطني الجنوب حوالي 8 مليون تسيطر عليهم سيطرة تامة ، بما فى ذلك منسوبي الحزب الوطني الذين انسلخ بعضهم من الحزب مؤخراً فى حين ان الحزب الوطني و على أقصي تقدير لديه هنا فى الشمال حوالي 3 مليون مواطن جنوبي أو 2 فالعدد لا يتجاوز ذلك ، فأيهما إذن الأفضل فى موقفه ، وأيهما فى حاجة الضغط ؟ لقد لوحظ فى هذا الصدد ان سوء نية الحركة الشعبية وما فعلته بمواطن الشمال أتي بنتيجة عكسية لم تكن متوقعة فى الجنوب ،حيث تضاءل عدد المسجلين بحيث لم يصل بالكاد إلى 2 مليون ناخب من جملة سكان الجنوب و بكل ما فعلته الحركة! إن الاتهامات المتبادلة ليست سوي محاولة من الحركة الشعبية للبحث عن براءة مفقودة ، فهي بادرت بفعل لم تحسب نتائجه ، ولم تجد وسيلة لمداراة فعلها سوي باتهام شريكها بذات ما فعلته هي !