ليس من العيب أن يظل شخص مثل باقان أموم، وفيا لأفكاره مقاتلاً في سبيلها حتى الرمق الأخير، ولكن العيب أن يركب هذا الشخص مراكب الأحلام، ويمعن في الخيال الخصب حتى تصبح فكرة السودان الجديد حقيقة واقعة أمامه، وهي محض أحلام!!. وأن كنت من الذين لا يعارضون فكرة ((سودان جديد)) ويرون أن السودان ومنذ العام 1989م قد دخل حقيقة الى مرحلته، وصار يطوي كل يوم صفحة من صفحات السودان القديم، لكن أرباب الفكرة لا يرون ذلك، لأن مسمي الفكرة يخفي وراءه ما لم يتحقق!! ومع أن السيد باقان أموم قد نعي في حواراته مع الأخ شبارقة بالرأي العام خريطة دولة السودان بشكلها القديم، وأكد أن انفصال الجنوب أصبح واقعاً، وان الجنوبيين ((يوعدون أنفسهم بفرح)) وهو حق للجنوبيين أكده اتفاق السلام، ولن يقف أحد بينهم وبينه مهما كان!! لكن الرجل قال أن الانفصال لا يعني نهاية فكرة السودان الجديد، بل ان الانفصال نفسه يعتبر جزءا من فكرة السودان الجديد التي تحتضن الانفصال داخلها، وهو حديث يشير إلى تطبيقه في الجنوب ثم تصديره مرة أخرى للشمال، سواء كان بالحسني أو الإكراه!! وحتى لا ندخل في مزالق الآليات التي سيتمدد بها فكر السودان الجديد الى الشمال، وهو الذي نشأ قريباً للبندقية والتحرير، دعونا نتساءل بأن هل سيكون السودان الجديد حاضراً وحاكماً في الجنوب بعد الانفصال، حتى نري أن كان سيتم تصديره بعد ذلك للشمال أم لا؟! وان كان باقان يقول لشبارقة بأن ((الانفصال يعني أن مشروع السودان الجديد سيتم تنفيذه في حيز صغير)) هو الجنوب، وأن حدود المشروع المستقبلية لن تكون الشمال فقط انما كل القرن الأفريقي، لكنا نرى أنه حديث أقرب للأحلام، وكلنا يعلم أن الجنوب لن يكون سودانا جديداً!! فالسلطة في جنوب السودان ستكون بعد الانفصال كما هي الآن ، في قبضة حلف ثلاثي يتكون من الجيش الشعبي وقائده، والكنيسة وقساوستها، ثم المجتمع التقليدي المحلي بزعامة السلاطين، وسينتظر باقان سنين وعقود طويلة، حتى تحكم الجنوب فكرة السودان الجديد!! و (عموماً .. عاشت الأفكار)!!. نقلاً عن صحيفة الوفاق 29/11/2010م