تناول مقال أمس علاقات مصر مع الدول الأفريقية في المجالات الاقتصادية والعلمية والدينية ونستكمل اليوم الحديث عن العلاقات السياسية, فقد كانت مصر الدولة الأفريقية الوحيدة التي تولت رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية ثلاث مرات( أعوام1964 و1989 و1993), كما استضافت العديد من اجتماعات القمة الأفريقية سواء في إطار منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقي أو الكوميسا, أو منتديات التعاون ذات الصلة بالقارة الأفريقية, كمنتدي الصين/ أفريقيا, ومنتدي أفريقيا/ أوروبا وغيرها, كما استضافت عشرات الاجتماعات الوزارية لتعزيز العمل الأفريقي المشترك في شتي المجالات, اتصالا بعضوية مصر في العديد من المنظمات والتجمعات الأفريقية مثل السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي( الكوميسا), واستضافتها لإحدي مؤسساتها الهامة وهي الوكالة الإقليمية للاستثمار, وكذلك عضوية مصر كمؤسس في مبادرة النيباد, وتمتعها بوضعية مراقب في الإيجاد, وعضو متبن في المؤتمر الدولي للبحيرات العظمي. وتستضيف مصر أيضا مقار عدد من المؤسسات الأفريقية التي تشكل محورا للعمل الأفريقي المشترك, مثل اتحاد الغرف التجارية الأفريقية, وبنك تنمية الصادرات الأفريقية, كما يعمل عشرات المسئولين والفنيين المصريين في أجهزة المؤسسات والمنظمات الإقليمية الأفريقية بمختلف أرجاء القارة. وفي هذا الصدد, تجدر الإشارة الي أنه خلال الفترة من عام2004 الي عام2010 الحالي, قام السيد وزير الخارجية المصري بأكثر من ثلاثين زيارة وجولة في دول القارة الأفريقية, سواء في إطار زيارات ثنائية, أو لحضور اجتماعات إقليمية في إطار الاتحاد الأفريقي أو تجمع الكوميسا أو تجمع الساحل والصحراء, وغيرها, كما قام مساعدو وزير الخارجية للشئون الأفريقية وأمناء الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا خلال نفس الفترة بأكثر من500 زيارة وجولة شملت شتي أرجاء أفريقيا لبحث مختلف أوجه العلاقات الثنائية مع دول القارة وسبل تعزيزها, والسعي لاستشراف آفاق جديدة لدفع وتعزيز التعاون في مختلف المجالات, وعقد لجان مشتركة, كان آخرها جولتين في غرب أفريقيا خلال الفترة16 26 أكتوبر2010, وشملت غانا وسيراليون وتوجو والجابون, فضلا عن استقبال مصر بشكل متواصل مئات الوفود والمسئولين الأفارقة علي مختلف مستوياتهم الرئاسية والوزارية وغيرها, ويعلم المتخصصون في العلاقات الدولية أن هذا العدد الضخم من الزيارات خلال الفترة المشار إليها يعد رقما قياسيا بكل معايير العمل الدبلوماسي. أما عن شركة النصر للتصدير والاستيراد, فتجدر الإشارة الي أننا لم نسمع عن صدور أية قرارات ببيع الشركة, وأن ما نعلمه هو أن بعض فروع الشركة في بعض البلدان الأفريقية تعرضت خلال السنوات الماضية لبعض العثرات المالية والإدارية والتسويقية, حتي أصبحت النفقات الإدارية لبعض هذه الفروع تتجاوز عائداتها التجارية, وهو أمر وارد في التعاملات التجارية, خاصة بعد أن أصبح المعيار الحاكم للتواجد في الأسواق الأفريقية الجاذبة لكل دول العالم هو المنافسة الحقيقية, وليس إرضاء الخواطر بشراء سلع ليست أهلا للمنافسة علي النحو الذي يترحم عليه مقال الأهرام في19 نوفمبر, ومن ثم كان لابد من التفكير في حلول توفيقية لبعض فروع الشركة التي لاتحقق الربحية المطلوبة من خلال عملية مراجعة لأعمال الشركة, وقد تم في ذلك عقد اجتماعات مكثفة بين الجهات المعنية ذات الصلة برعاية وزارة الخارجية, وبمشاركة شركة النصر للتصدير والاستيراد, علما بأن الشركة قررت افتتاح فروع جديدة لها في بعض الدول الأفريقية ذات الأسواق الواعدة, منها كينشاسا باعتبارها أحد أهم دول حوض النيل والتي لم يكن للشركة فروع بها, وإعادة افتتاح مقرها في الخرطوم الذي كان مغلقا منذ سنوات لأسباب سياسية لا علاقة لها بأداء الشركة, وذلك خلافا لما ورد بالمقال يوم19 نوفمبر من أن الشركة كانت تنتشر في كل مكان في القارة. واتصالا بهذا الشأن, لايفوتني التنويه الي الدور المهمة الذي أصبحت تقوم به الشركات الخاصة في خدمة حركة التجارة للدول في مختلف أنحاء العالم وفق اقتصاديات السوق الحر, وهو دور لم تتخلف عنه الشركات المصرية التي تضطلع بدور كبير في دفع حركة التجارة المصرية في القارة الأفريقية, بالتنسيق مع سفارات مصر ومكاتبها التجارية في القارة, حيث أصبح التسويق للصادرات المصرية في الأسواق الأفريقية من بضائع مختلفة وسلع وأدوية هدفا مشتركا لمؤسسات الدولة والقطاع الخاص, وذلك بالاستفادة من عضوية مصر في التجمعات الاقتصادية الإقليمية الهامة بالقارة, مثل تجمع الكوميسا الذي يضم19 دولة أفريقية في شمال وشرق وجنوب القارة, حيث أتاح هذا التجمع لمصر الوصول بحجم تجارتها مع دول التجمع الي نحو813 مليون دولار عام2009, بفائض تجاري قدره250 مليون دولار لصالح مصر.وبالتوازي مع ذلك, ازداد نفاذ الشركات الاستثمارية المصرية الي مختلف أرجاء القارة, فقد أصبحت بعض الشركات الاستثمارية وشركات المقاولات المصرية خلال سنوات قليلة بمثابة عمود فقري لحركة الصناعة في عدة دول أفريقية عهدت لشركات مصرية بإقامة مشروعات إستراتيجية لديها, فعلي سبيل المثال أقامت إحدي كبري شركات الكابلات المصرية مصنعين لتصنيع المحولات والعدادات الكهربائية في زامبيا, وكانت المرة الأولي التي يتم فيها تصنيع النحاس الزامبي داخل زامبيا, بعد أن ظل الاقتصاد الزامبي قائما لعقود حتي يومنا هذا علي تصدير النحاس كمادة خام, ثم تعاقدت نفس الشركة المصرية مؤخرا علي إعادة هيكلة شبكة الكهرباء في العاصمة الزامبية لوساكا, وهو ما يعد إنجازا مهما نجحت مصر في اقتناصه من دول عديدة كانت شركاتها تتنافس عليه من الصين ودول أوروبية وغيرها, كما تنشيء شركة مصرية أخري حاليا خطين حديديين كبيرين في شرق القارة الأفريقية, الأول يصل بين كينيا وتنزانيا, والثاني يصل بين جيبوتي وإثيوبيا, وهما خطان سيكون لهما كبير الأثر في مضاعفة حركة التجارة في إقليم الشرق والقرن الأفريقي, ومنطقة تجمع الكوميسا التي تمثل مصلحة تجارية كبري لمصر. وأخيرا وليس آخرا, فقد كانت هذه السطور بمثابة إشارات أولية خطرت لي حول أهم محاور التحرك المصري علي الساحة الأفريقية, وفق المستجدات التي باتت تحكم العلاقات الدولية بشعبها السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها, استثارها لدي مقال الأهرام يوم الجمعه19 نوفمبر2010, إلا أنه يبقي التساؤل لدينا نحن العاملين في الحقل الأفريقي, حول دور الإعلام ودوائر الفكر إزاء التحرك المصري في القارة الأفريقية, وإذا كان دور الاعلام يجب أن يكون النقد المستمر علي وتيرة واحدة, وأحيانا بمفردات متكررة, أم دعم التحرك المصري الإيجابي في القارة والترويج له, ولا نعني هنا أبدا دعوة الإعلام الي التصفيق الدائم لكل ما تقوم به الدولة, لكن ما أحاول التنويه إليه وبكل هدوء, هو أننا نتطلع دوما الي مواكبة دوائر الإعلام والفكر المصرية للجهد المصري علي الساحة الأفريقية, وهو ما أزعم أن وزارة الخارجية لا تألو جهدا في إطلاع الاعلام المصري عليه أولا بأول, سواء من خلال مراسلي الصحف المصرية المتواجدين بشكل مستمر في المكتب الصحفي بوزارة الخارجية, أو الاجتماعات الدورية التي ينظمها القطاع الأفريقي بوزارة الخارجية مع ممثلي الدوائر الإعلامية والمراكز البحثية المصرية لتبادل وجهات النظر حول المستجدات علي الساحة الافريقية وسبل التعامل معها, وهو نهج نؤكد استمرار وزارة الخارجية عليه باعتباره أحد أركان عملها, ويبقي لدينا الأمل في أن تلقي هذه الجهود تجاوبا من الدوائر الفكرية والإعلامية, حتي لانشعر وكأننا نحرث في البحر. المصدرك الاهرام 2/12/2010