يثور الجدل حالياً بشأن الوضع القانوني الخاص بالمواطنين الجنوبيين المقيمين في الشمال من وجهة العلاقة مع دولة الشمال حال الانفصال وهو الوضع المتعلق بالجنسية. ومع وضوح هذا الموقف وفقاً للقانون الدولي والذي وعلى الرغم من أنه ينص على ضرورة عدم ترك شخص بدون جنسية – كحق من صميم حقوق الشخص – الا انه لا يلزم الدولة المنفصلة عنها، أو التي تخلي عن جنسيتها هذا الشخص بضرورة منحه جنسيتها فالجنسية لا تمنح بالإكراه، ومع وضوح الأمر أيضاً في قانون الجنسية السوداني سنة 1994م تعديل 2005م والدستور الانتقالي سنة 2005م، الا ان من المهم أن نتطرق لهذه القضية المهمة. بداية لا بد من أن نقرب أمراً مهماً بأقصى قدر من الوضوح وهو أن قانون الجنسية السوداني المشار إليه ينص صراحة على الحالات التي يحق فيها لرئيس الجمهورية بناءً على توصية من وزير الداخلية إسقاط الجنسية عن المواطن السوداني وهي حالتين :1/ عند تنازل الشخص عن جنسيته السودانية . 2/ أو عند التحاق الشخص بخدمة أي دولة أجنبية واستمراره في خدمتها. ومن الواضع أن حالة قيام دولة جنوبية جديدة يجعل مواطني الجنوب في الشمال في خدمة الدولة الجديدة أو أنهم يتطلعون للانتماء للدولة الجديدة، أو أنهم أسهموا عبر التصويت في تأسيس هذه الدولة والتي صارت بمقتضي القانون دولة أجنبية ومن ثم ينطبق البند (2) على الحالات التي يحق فيها للرئيس سحب الجنسية ومن ثم فان كل فقهاء القانون محلياً ودولياً متفقون في هذا الصدد على أن مواطني الجنوب – قانوناً – لن يتمتعوا بجنسية السودان (الشمال) حال وقوع الانفصال ولهذا فان الجدل من هذه الناحية لم يعد مجدياً ولا يتوافق مع صحيح القانون والفهم السليم له. غير أن هذا الواقع لا ينبغي أن يفهم منه أن مجرد سقوط الجنسية عن مواطني الجنوب في الشمال جراء قيام الدولة الجديدة معناه بالمقابل أن هؤلاء المواطنين صاروا بلا حقوق ولا واجبات وان الدولة في الشمال لن تغمرهم بالرعاية فقانون الجنسية كفل للرئيس حق منح الجنسية بالتجنيس بالشروط المقررة التي تطبق على الكثير من الأجانب الذين يحصلون على هذه الجنسية كما أن الميلاد عقب الانفصال بالنسبة للأطفال الذين يولدوا من أبوين من الجنوب يعطي الحق في الحصول على الجنسية بالميلاد. إذن من حيث المبدأ والقانون فان الجميع متفقون على أن قضية الانتماء الوطني وعلاقة الانتماء المتمثلة في الجنسية هي شان قانوني محض، وأما المعاملة والرعاية فهذه أيضاً أمور يقررها العرف السوداني والعلاقة المحترمة بين مواطني البلد الواحد حيث لا يتصور أحد على الإطلاق أن يتم طرد مواطني الجنوب أو التضييق عليهم فهذا ليس من أخلاق السودانيين ولعل خير دليل على ذلك وجود الآلاف من الجاليات الأجنبية من غرب أفريقيا وشرقها ووسطها ومن دول مجاورة وأخرى بعيدة يعيشون في السودان منذ عقود، دون أن يتعرضوا لمضايقات أو طرد. ولذلك فان ما تطالب به الحركة الشعبية من جنسية مزدوجة ومن حريات أربع وغيرها لا تعني الشمال في شيء وهي من قبيل المزايدة السياسة ومحاولة طمأنة مواطني الجنوب في الشمال!