كثر الحديث هذه الأيام حول قضية الجنسية السودانية إذا رجحت نتيجة الاستفتاء خيار الانفصال، رغم أن القوانين لم تتجاوز هذه القضية وحسمت شكلها وترتيباتها، لكن السياسة طوَّقت القضية وأدخلتها في بيت العنكبوت .. «آخر لحظة» أرادت أن تضع النقاط فوق الحروف فحملت أوراقها وحاورت اللواء معاش أحمد المرتضى بكري أبوحراز، المدير الأسبق للجوازات والهجرة والجنسية والمهتم بقضايا التاريخ والهوية والقارئ المميز لتاريخ القبائل السودانية والدارس لحركة السكان في السودان، واستنطقته حول قضية الجنسية بصفته الخبير فكانت الحصيلة: يدور جدل كثيف في هذه الأيام حول قضية الجنسية كأحدى القضايا التي ستكون عالقة بعد الاستفتاء، فهلا حدثتنا عن هذه القضية ووضعت لنا النقاط على الحروف؟ - قبل أن نتحدث عن الجنسية لابد أن نتحدث عن الدولة ذاتها، حيث لابد للدولة التي تتكون من أركان مهمة وهي الإقليم و شعب يعيش في هذا الإقليم وحكومة تحكم هذا الشعب، ومن ناحية وظيفية لابد أن يكون لها ثلاث سلطات سلطة تشريعية تسن القوانين وتراقب أجهزة الدولة، وسلطة تنفيذية تنفذ القوانين الداخلية والخارجية للدولة، وسلطة قضائية ذات إدارة شاملة تفصل في المنازعات بين الأفراد و الأفراد.. وبين الافراد والدولة، و عندما نأتي للحديث عن الجنسية نجد أنها تدخل في سيادة الدولة لأنها تحدد من هو الأجنبي ومن هو الوطني ولذلك الجنسية من حيث الهوية، ولدينا هوية اجتماعية جامعة ومانعة وهي هوية ثقافية تربط الناس، وهي التي يدور فيها الجدل منذ فترة بعيدة جداً لكن الهوية الرسمية للدولة هي الجنسية وهي اعتراف بأن حاملها هو مواطن لهذه الدولة، بمعنى أنها تربط حامل الجنسية برابطة سياسية وقانونية بها. والحديث عن الوضع العام للجنسية بعد قيام الدولة الجديدة في الجنوب لايمكن أن يترك للأمزجة السياسية لأنها محكومة بقوانين داخلية وخارجية، لأننا جزء من الأسرة الدولية ولن ننفصل عنها، كما لن ننفصل عن الأعراف الدولية القائمة في شكل مبادئ في القانون الدولي العام أو الخاص، ونحن مقيدون بأعراف تلزمنا بأشياء معينة بعد الانفصال.. فالقانون الدولي يحرِّم على الدولة الأم أن تبعد كل الناس المنتسبين للدولة الجديدة، وهذا ممنوع لأنك إذا قمت بذلك ستخلق إشكالية للدولة الجديدة، وهذا يعني أن لا يتصور أحد أن تكون هناك «كشات» لحملات طرد للجنوبيين وإبعادهم من الشمال، هذا لن يحدث، وإذا حدث فإن العالم والأسرة الدولية لن تسكت عليه، وكفاية التجربة المريرة التي حدثت في أريتريا. ماذا حدث في أريتريا؟ - في أريتريا نُقل الناس إلى أريتريا باللواري وتركوا باقي أسرهم في الدولة الأخرى ،وحدثت مرارات كثيرة. ثانياً ممنوع على الدولة الأم أن تغري مواطن الدولة الجديدة بالبقاء عندها، تحجزه عندها بأي صورة من الصور، لأنك بذلك تكون قد جردت دولة من شعبها أو جزء من شعبها، يعني أنك لا تمنع الجنوبيين من الذهاب أو تغريهم بالبقاء في الشمال، لكن يبقى هنا حق الخيار.. معنى الكيفية القانونية.. التي يبقى بها هناك سبعة ثوابت تقول للدولة حق سيادي كامل في أن تضع قانونها الذي بموجبه يتحدد عندها من هو المواطن ومن هو الأجنبي، مع مراعاة مبادئ القوانين الدولية والمعاهدات واحترامها، والمبدأ الثاني من الثوابت يقول إن سيادة الدولة كاملة أو جزئية لاتؤثر في هذا الحق أو تنتقص منه، والثالث للدولة الحق بأن تحدد الناس الداخلين في جنسيتها بمقتضى قوانينها الخاصة، ولايحق لدولة أن تحدد لدولة أخرى مواطنيها على الإطلاق- يعني أننا لانستطيع أن نحدد لدولة الجنوب مواطنيها - يحظر إبعاد الأجانب بالجملة من الدولة- ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على الآتي: المادة (1) يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يُعاملوا بعضهم بعضاً بروح الاخاء. والمادة (15) من نفس الإعلان تقول لكل فرد حق التمتع بجنسيته، كما لايجوز تعسفاً حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته على الإطلاق . البند السادس، نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 المادة (2): تلتزم أي دولة طرفاً في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها وبكفالة هذه الحقوق للأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها دون أي تمييز بسبب اللون أو العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة أو الرأي، سياسياً كان أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب. المادة (24) 3 تقول لكل طفل الحق في اكتساب الجنسية وهي تعتبر المبدأ السابع في المبادئ السبعة التي ذكرناها في القانون الدولي للجنسية. وهناك الرؤى الدولية الخاصة بالجنسية في المبادئ ال16 التي أقرها الاجتماع التمهيدي للمفوضية الأوربية بفيينا في 13 و14 سبتمبر 1996 وكانت متعلقة بحالات الانفصال فقط كما في حالة الجنوب بالنسبة لنا. طبعاً هناك «3» حالات «للخلافة» للدولة، دولة تخلف دولة و هي أن ينتقل إقليم من دولة أو ينفصل إقليم من دولة وتحل الدولة، مثل يوغسلافيا، وفي هذه الحالات ممنوع إبعاد المواطنين بالجملة، يعني في مثل حالة الانفصال في السودان لايمكن أن نبعد الجنوبيين من الشمال بالجملة، ولايمكن أن ننقل الشماليين من الجنوب بالجملة.. إذن لابد أن يتم اتفاق، القانون الدولي يقول: إنه من لحظة إعلان الانفصال والاعتراف بالدولة الجديدة في الجنوب، أي جنوبي عنده الحق في أن يصوت في الاستفتاء يعتبر أجنبياً في الشمال تلقائياً وأي شمالي موجود في الجنوب من لحظة إعلان الانفصال يعتبر أجنبياً موجوداً في الجنوب. يعني أن هذا المبدأ لايحتاج لترتيبات؟ -القانون الدولي يقول: إن كل الدول حُرة في تنظيم قانون خاص بها ينظم عملها، لكن لابد أن تراعي القوانين الدولية العامة والخاصة، يعني نحن أحرار في عمل قانون خاص بنا على أن لايتعارض مع القانون الدولي ولا الاتفاقيات الكبيرة، مثل اتفاقية حقوق الإنسان و العهد الدولي لاتفاقية 1966 والخاص بالحقوق السياسية والمدنية، كما ينبغي أن لاتتعارض مع ميثاق الأممالمتحدة المادة (2) الفقرة (1) التي تتحدث عن المساواة في السيادة بين الدول، وحق الدولة في تنظيم تشريعاتها مع التقيُّد بالتشريعات الدولية.. إذن لايمكن لدولة أن تشرع قوانين تتنكر للقوانين الدولة مثل معاهدة فيينا ومعاهدة لاهاي 1930، وعندما نحاول تطبيق هذه المسألة على السودان نجد أن كلاً من الدولتين الجديدة والقديمة لها الحق في تشريع قوانين خاصة بها على أن لاتتعارض مع القوانين الدولية، ولأن الانفصال يعتبر أن أي جنوبي في الشمال أجنبياً ولتنفيذ القوانين الدولية فإن ذلك لن يتم إلا بواسطة اتفاق يتراضى عليه الطرفان، وبنود هذا الاتفاق تصبح واجبة التنفيذ بعد أن تشكل قناعات بالنسبة للطرفين، بغير هذا يبقى الكلام غير منطقي وحقيقي، وما نسمعه من أجهزة الإعلام يعطي انطباعاً بأن هناك كسر لايمكن أن ينجبر، لأن الاخوة الجنوبيين يحسون بمرارات وبأشياء صعب عليهم تناسيها، ورغم أن الدولة القديمة اجتهدت في امتصاص المرارات لكنها لم تستطع، وتحسباً لأي مشاكل يمكن أن تحدث بعد الانفصال وتحوِّل الجنوبيين لأجانب ويفقدوا بموجب ذلك وظائفهم العامه بموجب القانون الدولي . لذا وضعت مبادئ تمنع الإبعاد بالجملة، والقانون يعطي الناس فرصة سنة أو ستة أشهر، وهناك فرصة تصل إلى سنتين حتى لايضار أحد، ففي فرصة السنتين مثال إذا استخرج جنوبي جواز سوداني فيه صقر الجديان، الجواز ينتهي بعد سنتين وهو موجود في دول المهجر وهذا لايمكن تجريده من هذه الوثيقة، لأن القانون الدولي يحرم وجود أي شخص في العالم بلا هوية لأن حالة انعدام الجنسية محرمة وهذه «عاملة» مشكلة في الكويت «البدون». على أساس أنهم لابد أن يكتسبوا هوية لأنه لايمكن أن يبقى شخص في العالم بدون جنسية، إذن لابد من مهلة مهما كانت ولتتعدد هذه المهلة أو المدة.. وهناك أسئلة حرجة جداً لابد من طرحها في أي منطقة في العالم حدث فيها انفصال، لابد للناس من طرحها أولاً هناك أطفال ونساء والأعراف الدولية ترعى الأسرة وتؤكد على بقائها متوحدة. إذن لاينبغي أن يكون هناك أي فعل يفكك هذه الأسرة، أي أن الأم تبقى في الشمال والأب يذهب إلى الجنوب أو العكس ويضيع الأطفال فيما بينهما . إذا كان هذا من المحرمات ماذا سيفعل الأبناء في هذه الحالة؟ - في هذه الحالة توجد مدرستان الأولى أن يختار له ولي أمره بالإنابة عنه، فإذا اختار والده الذهاب به إلى الجنوب أو العكس، فإن القانون الدولي يحفظ لهذا الطفل حق الاختيار إلى أن يصل لسن الرشد، هل يريد أن يبقى في المكان الذي اختاره له والده أم يريد أن يذهب للدولة الأخرى ويكتسب الجنسية التي يريد، وله الحق في أن يثبت ذلك ويقدم طلبه لجنسية بالتجنس أو الإقامة وذلك بواسطة طلب يقدمه للسلطات. يعني سعادتك سيظل السودان يستقبل طلبات الجنسية لمدة 18 عاماً قادمة من أطفال ولدوا الآن، وعلى حسب حديثك فإن القانون يكفل لهم ذلك؟ - نعم سيظل السودان يستقبل هذه الطلبات خلال هذه الفترة، وبالمناسبة السودان الآن يستقبل أعداداً كبيرة من طلبات الجنسية، فالوجود الأجنبي في السودان كبير جداً والمسألة لن تبقى على الجنوبيين فقط، والسودان به «581» قبيلة، وهناك «164» قبيلة في الجنوب و«417» قبيلة في الشمال.. ومن هذه القبائل «57» قبيلة مشتركة بيننا ودول الجوار مثلاً يوجد «نوير حبش ونوير سودانيين» و «زغاوة سودانيين وتشاديين» و«بني عامر سودانيين وبني عامر أريتريين»، وهي تحمل نفس الأشكال «نفس الملامح والشبه والمشية ذاتها وقدلتوا» هل هناك قبائل مشتركة في الجنوب غير النوير؟ - نعم من القبائل ال«57» التي ذكرتها يمكن هناك «14 أو 15» قبيلة مشتركة بين الجنوب ودول الجوار مثل الكاكا والباندا والفراتيت وكارا والنوس والدود وتركانا وأشوري ومادي دودوا، وهناك قبائل مشتركة بين الشمال والجنوب وكل هذه المشاكل ستحل بواسطة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية . ماذا عن قضية الجنسية المزدوجة؟ -أولاً أحب أن أؤكد أن القوانين الدولية تبيح الجنسية المزدوجة والجنسية الثلاثية والرباعية أو أي عدد من الجنسيات، المواطن يمكن أن يحصل على أي عدد من الجنسيات لكن هناك من بينها الجنسية الفاعلة وهناك «جنسيات نائمة»، فهناك سودانيون يحملون جنسيات من دول أخرى مثل الجنسية الأمريكية أو البريطانية، والجنسية السودانية التي يحملونها غير فاعلة، وهم يتعاملون بالجنسية الأخرى أو التي يعيشون في دولتها، لكن الجنسية الأصل هي الجنسية السودانية وهي موجودة لأنها أصلهم، لكن الجنسية المزدوجة لاتُمنح هدية ولابد أن تقدم بواسطة طلب عادي، لكن الفرق بينها وبين الجنسية الأولى لايطلب من الشخص التنازل عن جنسيته الأصلية، وليحصل على هذه الجنسية يتقدم الشخص بطلب عادي، لكن للدولة الحق في أن تقبل أو ترفض. هل هناك معايير لقبول أورفض الدولة لمنح الجنسية المزدوجة؟ -هذا سؤال لا استطيع الإجابة عليه.. ويتوقف على السياسة العليا للدولة.. يعني الدولة هي التي تعدد المبادئ التي تمنح بها الجنسية المزدوجة للأجانب أيَّا كانت دولتهم، فهناك شروط تضعها الدولة لمنح الجنسية المزدوجة ولا أحد يستطيع أن يسألها. فإذا انطبقت هذه الشروط على مقدم الطلب يمنح الجنسية أو الرفض سيكون مصير الطلب، والآن يتحدث الناس عن الجنسية المزدوجة وكأن الناس سيوزعونها على كل الناس بمعنى أن يتقدم أي دينكاوي أو شلكاوي أو أي شخص آخر للجنسية المزدوجة لن يمنح هذه الجنسية إلا بواسطة طلب أورنيك، ويقال له إن هذه الجنسية لن تكون جنسية بالميلاد حتى تنطبق عليك شروط الجنسية بالميلاد، وشروط الجنسية بالميلاد محددة في المادة «4» من قانون الجنسية. وحتى الجنسية بالتوطن لابد أن يثبت أنه أو من حيث الأب كان موجوداً في السودان قبل أو في 1/1/1956، والسودان الجديد وهو السودان الشمالي بحدود المديريات الشمالية التي كانت موجودة في 1/1/1956.. السودان الجديد يعني أن السودان القديم انتهى للأبد، ويعني أن هناك جغرافيا جديدة للسودان، وأي شخص موجود في أو قبل 1/1/1956 من جهة الأب، وأي جنوبي يستطيع إثبات ذلك يعتبر سودانياً بالميلاد، وحسب تصوري، فأنا لا أعرف ماذا ستفعل الدولة في اتفاقياتها، لكن يجب أن يضع الناس في تصورهم أن هناك بعض الجنوبيين الذين يستحقون جنسيات بالتجنس أو بالميلاد بحكم التوطن وبقوة القوانين ذاتها، وهناك جنوبيون سيُمنحون الإقامة في الشمال، كما سيتمتع الشماليون بهذا الحق في الجنوب.