بعيداً جداً عن ما سوف تقرره المحكمة الدستورية – المقدمة أمامها عدداً من الطعون المتعلقة بعملية الاستفتاء – و بعيداً عما اذا كانت هذه الطعون جادة و هدفها هو تأكيد سيادة حكم القانون أم أنها مجرد وسيلة لعرقلة العملية ، بعيداً عن كل هذا وذاك ، فان من غير المقبول مطلقاً- مهما كانت المبررات - أن تنتاش سهام النقد المحكمة الدستورية و هى جهة قضائية يجدر بأي جهة أخري توقيرها و احترامها. فقد تواترت أنباء الأسبوع الماضي عن أن مفوضية الاستفتاء قالت أنها (غير معنية) بما ستصدره المحكمة و أنها لم تتسلم بعد أى طلب حضور أو نسخة من الطعون المقدمة. و قد تسبب موقف مفوضية الاستفتاء المسبق هذا فى بلورة موقف أكثر حدة من جانب الحركة الشعبية التى صرح القيادي فيها (رمضان لاكو) رئيس لجنة السلام و الوحدة بالبرلمان بأنهم تلقوا إخطاراً من المفوضية يفيد بأن المفوضية غير معنية بالطعن الدستوري و أنها ستمضي فى عملها دون ان تلتفت الى أى قرر يصدر عنها ، الأمر الذى جعل لاكو يرفض اى قرار تصدره المحكمة و يتهم من أسماهم مأجورين بالسعي للعودة للحرب ! للأسف الشديد هذا الموقف ينبئ عن مسلك غير حضاري ، ذلك ان مفوضية الاستفتاء و مهما كانت درجة استقلاليتها ، فهي فى النهاية جهاز يعتبر جزءاً من أجهزة الدولة ، والمحكمة الدستورية تسري قراراتها و أوامرها على أى جهاز من أجهزة الدولة ، إذ انه و حتى القضاء – باعتباره سلطة مستقلة يخضع فى أعلي سلطاته ( المحكمة العليا الاتحادية ) للقرارات التى تصدر عن المحكمة الدستورية ، ومن ثم – وبصرف النظر عن أى شئ – فان مناهضة اى جهاز لمحكمة مختصة مسبقاً هو من قبيل إشاعة الفوضي و الاستهانة بأجهزة الدولة. ولعل الشئ الغريب ان رئيس مفوضية الاستفتاء رجل قانون من الدرجة الأولي و يعلم ان حق الجوء الى القضاء (حق التقاضي) حق مكفول لأي جهة ولأي فرد و أن احترام القضاء أمر منوط بأى جهاز او جهة لأنه صمام أمان الحقوق ، فكيف لرجل كهذا – يسارع لرفض قرار لم يصدر بعد؟ فالقرارات القضائية عادة لا يتم التنبوء بها و يُترك فى الغالب لقضاة المحكمة دراسة القضية من كافة جوانبها و من ثم يُحترم القرار الذى يصدر عنها . إننا دون أدني شك لا يهمنا من هو الذى قدم هذه الطعون و لا تهمنا النتيجة التى ستصدر عن المحكمة قبولاً أو رفضاً ، فضلاً عن أنه لا يهمنا أيضاً من يقف وراء هذا الطعن و ما المقصود منه، ولكن يهمنا دون شك إيلاء الاحترام التام لهذا الجهاز القضائي المحترم ، و المختص بالنظر فى أى دعوي تعرض عليه، وضرورة ان يحترم الجميع نظره هذا الى حين صدور القرار، والشئ الغريب حقاً أنه لم يصدر حتى الآن أى قرار من المحكمة ، ومع ذلك سارعت هذه الجهات لرفض مجرد قبول العريضة المقدمة ، وأظهرت عدم الاحترام هذا . أنه لأمر مؤسف للغاية إن دلَّ إنما يدل على (سوء فهم قانوني) ولا نريد ان نقول (سوء نية ) !