ما كل هذه الهجمة الغريبة على منطقتنا المنكوبة بدعاة الانفصال والتقسيم بحجة حق تقرير المصير تارة، وتحت شعار حقوق الإنسان تارة أخرى، ليواجه كل من يعترض على طوفان التقسيم هذا بالاتهام بمعاداة حق تقرير المصير، وهو اتهام أشبه بالابتزاز المذيّل بقرارات تحمل أرقاماً يحفظها منظّرو التفتيت عن ظهر قلب؟ فلسطين أصبحت 3 أجزاء: المناطق المحتلة منذ عام ،4891 وأخرى خاضعة لسيطرة شكلية تديرها السلطة الفلسطينية، وثالثة بسيطرة شكلية أيضاً تديرها حركة حماس، ونشاهد مفاوضات عقيمة بين السلطة وحكومة الاحتلال من ناحية، ومفاوضات أخرى تحت مصطلح الحوار الفلسطيني الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وحتى الآن لم نر ما يسر الناظرين من هذه المفاوضات أو تلك . وفي السودان انفصاليون في الجنوب وغيرهم في دارفور، وفي شرق السودان، ومجموعات أخرى هنا وهناك، إلى جانب مجموعات كانت في السلطة يوماً ما والآن تحرّض على النظام بدعم التمرد . وفي العراق أكراد في الشمال يخططون للانفصال، ويحرضون دعاة التقسيم في محافظات الجنوب والغرب، وآخرون يطالبون بإقليم مستقل في الجنوب والفرات الأوسط، إلى جانب دعاة أقلمة البصرة والأنبار، في تحركات اختلف أصحابها في العرق واللغة والمذهب، ليتفقوا جميعهم على تقسيم دولة من أقدم الدول المركزية في التاريخ، والتي علمت العالم الكتابة والتشريع منذ القدم ليتفشى الجهل بأنواعه كافة في عهدهم . أما الصومال فقد تفتت إلى “بنط لاند" و"صومالي لاند"، وما بقي منه تحكمه حكومة تصارع ميليشيات مختلفة الانتماءات، فيما تظل بقية الأقاليم المحتلة من قبل إثيوبيا وكينيا في طي النسيان، ما دام الوطن الأم تمزقت أوصاله . وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل هناك مطالب بانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، وفي اليمن يطالب “الحراك الجنوبي" بفك الارتباط والعودة إلى تقسيم اليمن بين شمال وجنوب، وتحركات لأقباط مصر للمطالبة بدولة، وأخرى تطالب بدولة للنوبيين في الجنوب، حتى وصل الأمر بشيوخ عشائر سيناء إلى المطالبة بتقسيم شبه الجزيرة إلى ثلاثة أقسام بدلاً من قسمين شمالي وجنوبي، تماشياً مع موضة التقسيم والتفتيت التي اجتاحت المنطقة . لقد تحولت المنطقة العربية إلى مستنقع آسن لمشاريع التقسيم والتفتيت وتجزئة المجزأ، بشكل يوضح حجم التآمر لإقامة أكبر تجمع من الدويلات المتناحرة على غرار ملوك الطوائف، وذلك من خلال طابور خامس امتطى ظهور الأقليات العرقية والدينية والطائفية ليستأسد من خلالها على سلطات وقوانين دول المنطقة، بعد أن نما وترعرع في ظل الاحتقان السياسي الناتج عن القمع والدكتاتورية، في سيناريو محكم حاكته أيادي التآمر الخارجية التي تغذي روح الاستبداد والطائفية في المنطقة للإجهاز عليها بأيدي أبنائها . وهنا نتساءل: لماذا تحتضن المنطقة العربية دون غيرها هذا الكم الهائل من مشاريع التقسيم وحركات التمرد؟ ولماذا تتغنى واشنطن بالديمقراطية وحقوق الأقليات والحريات الدينية و"تطنطن" بأرقام القرارات الدولية بهذا الشأن فيما تقف بالمرصاد لأي قرار أممي يتعلق بالحقوق الفلسطينية؟ لقد أصبحت المؤامرة كبيرة بشكل خرج على السيطرة، حتى من قاموا بتحضير “عفاريت" التقسيم والطائفية يجدون صعوبة في السيطرة عليها، وبدا أن الجميع أصبحوا عاجزين، فالمستبد يواصل استبداده من دون أن يفتح أي نافذة لفرص الحل، بينما خرجت جماعات التقسيم العرقية والطائفية من القمقم . وأمام هذا الوضع المنفلت والخطير لم تجد الجامعة إلا قراءة وثائق “ويكيليكس" “المسلية" هرباً من وضع كهذا . المصدر: الخليج 21/12/2010