قال الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني أنه لا يري أي سبب لمبعوث أمريكي خاص- من الأساس - لمتابعة الشأن السوداني فضلاً عن تعيين مبعوث جديد إضافي وفقاً لما راج مؤخراً. وقال عثمان فى تصريحات له – الأسبوع الماضي – إن واشنطن عيّنت غرايشون كمبعوث خاص لبذل الوعود والمماطلة بشأنها حتى تنتهي إجراءات الاستفتاء و من ثم يأتي مبعوث خلفاً له ليستمر فى بذل ذات الوعود ! و الواقع إن السياسة الأمريكية تجاه السودان تبدو ظالمة – إذا جاز التعبير – و هو ظلم ينبغي قراءته فوق مستوي الظلم الأمريكي المعتاد و المتعارف عليه دولياً منذ أن نشأت هذه الدولة قبل حوالي مائتيّ عام من الزمان . فالوعود التى أشار إليها مستشار الرئيس السوداني تقطعها واشنطن بمبادرة منها على نفسها، ثم ما تلبث أن تماطل فيها ثم تتنصل منها تماماً ! فعند التوقيع على اتفاقية السلام الشامل فى نيفاشا 2005 فان واشنطن وقتها وعدت السودان برفع العقوبات الاقتصادية عنه ، ثم رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب و تطبيع علاقات البلدين تطبيعاً كاملاً . ولم تكن هذه الوعود - للمفارقة - مقابل فعل كذا وكذا ، إذ أنها لو كانت كذلك لرفضها الحزب الوطني فى حينها لأن الحزب الوطني من خلال سياساته و مواقفه لعقدين من الزمان يبدو دائماً حريصاً على عدم التفريط في مبادئه الأساسية التى يري أنها سبب رئيسي لبقائه و أدائه السياسي القوي . و ما هى إلاّ أشهر حتي تبيَّن ان وعود ما بعد نيفاشا لم تكن سوي سراب ، ثم جاءت حقبة أخري تبيّن فيها لواشنطن ان السودان قدم الكثير فى سبيل مكافحة الإرهاب واستحق إشادتها و مع ذلك بذلت له وعوداً جديدة هى أيضاًُ بدت صكاً ليس له رصيد! ثم جاء الموفد الأمريكي الخاص الحالي ( غرايشون) و وقف على كل أوضاع السودان فى الجنوب و دارفور ، واضطر غرايشون تحت ضغط الحقائق و الوقائع التى لمسها عن قرب فى السودان للتصريح بعدم وجود دعم للإرهاب فى السودان و عدم وجود إبادة جماعية ، و لكن جماعات الضغط المتنفذة فى واشنطن حاصرت غرايشون وبدأت فى تضييق الخناق عليه حتى اضطر للتراجع الكامل ، ومع ذلك فان غرايشون ومعه جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى الكونغرس كلٍ على حدا بذل وعوداً بعضها مكتوب وبعضها شفهي ، و مضت عليها من الأشهر ما مضي ولم تنفذها هى الأخرى . و هكذا فان الأسلوب الأمريكي يبدو فى غاية السطحية والسذاجة ، إذ لا يمكن لأسلوب كهذا أن ينطلي على حكومة تتمتع بقدر وافر من الوعي ، ولديها سند جماهيري جيد و استحوذت على رصيد وافر من الخبرة ، إذ أنَّ خير تعبير عن هذه الحالة الأمريكية المتردية ما قاله مستشار الرئيس الدكتور غازي صلاح الدين بأن السودان عاش بلا أمريكا لعقدين من الزمان ، وبالطبع يستطيع أن يمضي فى طريقه – بذات القدر – الى حيث يريد بلا أمريكا !