"ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقية السلام بالنسبة لي هي الوحدة الجاذبة
نشر في سودان سفاري يوم 02 - 01 - 2011

اتفاقية نيفاشا للسلام تدخل إلى خواتيمها وهنالك جدل كثير واتهامات بين الشريكين، وهناك آراء عديدة حول الاتفاقية نفسها، وللوقوف على هذه الاتهامات والآراء وفى الجزء الثالث من افاداته لقناة النيل الازرق استضاف برنامج (حتى تكتمل الصورة) الاستاذ سيد الخطيب مدير مركز الدراسات الإستراتيجية، وأحد مفاوضي وفد الحكومة منذ مشاكوس 2002م، الذي ظل صامتاً لفترة طويلة.
وهنا نص الحوار:
*الذين ينظرون لتعثر اتفاقية السلام الآن ربما يتساءلون، أين تكمن المشكلة، أهي في النصوص وهذه التفاصيل المعقدة، أم هي في النفوس الذى اختبرت فيه هذه النصوص أم هي في الواقع ؟
- اسمح لي أن أعدل السؤال، ففي رأيي أن اتفاقية السلام ليس فيها تعثر، وعندما أنظر لما تم من تنفيذ في السنوات التي مضت أعتقد أنها من أنجح اتفاقيات السلام، وليس هناك شيء كامل، خاصة في هذه المنطقة من العالم بمحدودياتنا الكثيرة من حيث الإمكانيات والظروف المعقدة، واتفاق السلام الشامل حظي بقدر من التنفيذ على الرغم من أن أحد الطرفين كان يختار ما يريد أن ينفذه ويتباطأ عما لا يريد أن ينفذه وهو الحركة الشعبية، إلا أن التنفيذ لا يمكن أن يوصف بأنه دون المتوسط بأية حال، انظر للأساسيات: هناك حكومة في جنوب السودان ذات استقلال كما نصت الاتفاقية على الأساس الفيدرالي وتمثيل للجنوب في المركز، وهناك اتفاق وقف إطلاق نار، والانتخابات أجريت، والتنفيذ ليس سيئاً بهذا القدر، والذي حدث أن الكثير من المراقبين في الإعلام يتحدثون عن ذلك ويدعم هذا الاتجاه أن أحد الشريكين يصيح بأعلى صوته أن التنفيذ غير مكتمل ويجد الآذان والأصداء التي تعكس قوله، وأجيب على سؤالك أن المشكلة في كل ما ذكرت في النصوص والنفوس والواقع هناك أشياء تجعل تنفيذ بعض هذه الأمور صعباً، ولكن من جانبنا كان هناك التزام بالاتفاق لم يزعزعه بطء الحركة ولا عدم الوفاء بالوعود من جانب الذين وعدوا بمساعدتنا في كذا وكذا.
*أين استعصاء النصوص؟
- تعقيدها وكثرتها وأنها تحسبت لأشياء كثيرة وذلك نبع من عدم الثقة، وعندما تتحدث عن نصوص تحاول أن ترسم سيناريو كامل لست سنوات من الصعب جداً أن يكون هناك التزام بهذا السيناريو في كل صغيرة وكبيرة، والإخوة في الحركة وحكومة الجنوب لم يكونوا متحمسين خاصة في العمل على المستوى الاتحادي، وكذلك الأطراف السياسية الأخرى رغم توقيع اتفاقات لاحقة لاتفاقية السلام الشامل مع أطراف سياسية أخرى دخلت في العملية إلا أن دخولها كان بهواها وكانت ترى أنها لكي تدخل لابد من اشتراطات أخرى معينة وهذا لم يكن ممكناً لأن اتفاقية السلام صارت دستوراً، وهؤلاء صاروا يحاولون التقليل من شأن الاتفاقية كانجاز رغم أنهم داخلون فيه.
* الحركة انتقدت الوطني كثيراً وتقصيره في الاتفاق، أنتم أردتموها حركة جنوبية تجلس في الجنوب وهي أرادت أن تجرى تحولاً ديمقراطياً حتى في الشمال، هي تحدثت عن الوحدة الجاذبة وأن الوطني لم يسع لتكون الوحدة الجاذبة، وكثير من الشد والجذب في قوانين التحول الديمقراطي، وإذا كنت تتهم الحركة بأنها مارست نقضاً للعهد في نيفاشا وتباطأت فقل لنا أين نجد شواهد هذا الاتهام؟
- دعني أبدأ بهذه الاتهامات التي أثرتها، ما هو التحول الديمقراطي، وما هي أكبر سمة يمكن أن تجعله حقيقة: الانتخابات وأن يختار السودانيون من يمثلهم ومن يحكمهم، وموقف أن تجرى انتخابات في منتصف الفترة الانتقالية كان موقف المؤتمر الوطني ولم يكن موقف الحركة التي كانت ترى غير ذلك، وقرنق عندما أتى قال هذا لم يكن موقفنا ولكن عندما طرحتموه كأنكم جعلتمونا في موقف حرج مع حلفائنا الدوليين فقبلنا، لكنه لم يكن خيارنا.
* لماذا؟
- كانت الحركة ترى أن إدارة الفترة الانتقالية يجب أن تؤكل للطرفين اللذين وقعا على الاتفاق فقط تخوفاً منها أن الانتخابات إذا أتت بقوى أخرى غير الوطني والحركة قد يعرض هذا اتفاق السلام للنقض أو تعديل كبير قد يغير من محتواه، وكانوا يقولون هذا صراحة، وحتى قبيل الانتخابات العامة التي أجريت كان نفر من قادة الحركة يتحدثون مع الوطني ليقنعوه بألا داعي للانتخابات وأنها ستسفر عن فوضى وعنف وأشياء غير محسوبة، هذا عن التحول الديمقراطي، أما عن الوحدة الجاذبة فاتفاقية السلام بالنسبة لي هي الوحدة الجاذبة، ومظالم الجنوبيين خاطبتها كلها اتفاقية السلام الشامل، والأشياء التي يمكن أن تجعل الوحدة جاذبة اتخذت قميص عثمان من جانب من يريدون المزيد من غير أن يكون لهذا المزيد أي تبرير غير تقوية الموقف السياسي الخاص، وإن كان هنالك مزيد ميسور ومعقول فإن الحكومة والشمال مستعد، خذ موضوعاً هاماً مثل موضوع الترتيبات الأمنية والعسكرية، ولكي يكون لوقف إطلاق النار معنىً كان لابد أن يقدم الجيشان قوائم بكل الجنود والضباط، ومن غير هذا تصبح ترتيبات كالدمج وغيرها بلا معنى، وقائمة القوات المسلحة موجودة، لكنهم اعتذروا وقالوا إنهم حركة وليسوا جيشاً فأمهلونا ولا نعلم من لا زالوا معنا ومن ليسوا معنا، ورغبة في المضي في شوط السلام إلى آخره ، وقعنا الترتيبات الأمنية ولم يقدموا القائمة، وعندما جئنا في اتفاقية وقف إطلاق النار لم تكن القائمة موجودة، وحتى هذه اللحظة، وهم تحدثوا عن أرقام كبيرة أربعين ألفاً وستين ألفاً، فقلنا لهم من هم كي نعرف لنقدم على الإدماج والتسريح، وكان خروج القوات المسلحة من الجنوب موثقاً، ولم يجد المراقبون والأمم المتحدة بداً من إعلان أن القوات المسلحة انسحبت بالنسبة الوافية من الجنوب، وفي المقابل كانت نسبة انسحاب الجيش الشعبي من الشمال منخفضة، ولا زالوا يعتذرون عن هذا، وهذا خرق كبير، وإذا كنا لا نريد السلام فعلاً ونبحث عن ذرائع لكانت هذه ذريعة كافية، إذ لا يمكن أن تسمى نفسك حركة وجيشاً وتدعى أنك لا تعرف قواتك وضباطك.
* ما المقصود في تحليلك؟
- كان هناك تضخيم للأرقام باعتبار أن هناك فائدة ستعود عليهم من التسريح، وإذا استبعدنا سوء النية فإن جانب سوء الإدارة وارد، وخروج الحركة من الحكومة لثلاثة أشهر هو خرق لاتفاقية السلام التي أنشأت مجلس الوزراء، وكانت الحجة أنهم قالوا لنا ظننتم بعد رحيل قرنق أنكم يمكن أن تتلاعبوا بنا فنحن نريد أن نريكم أننا يمكن أن نفعل شيئاً، وهذا دليل على عدم النضج كحزب سياسي، وهذه ليست الروح التي تدار بها دولة، وموضوع الحدود الآن، ما يؤخر عمل اللجنة هو أن الأعضاء الذين يمثلون الحركة لا يأتون للاجتماعات، وعندما يأتون يراجعون ما تم الاتفاق عليه ويفتحونه من جديد.
* لماذا ظل المؤتمر الوطني صامتاً في مقابل صراخ الحركة الشعبية، لا سيما وأن خروج الجيش الشعبي من المعسكرات كأنما هو جيش منتصر والقوات المسلحة منسحبة، وسيطرت الحركة على الجنوب عسكرياً وهذا من أكبر الخروقات، ومكاتب الحركة في الخارج كأنها سفارات تعطي تأشيرة لدخول الجنوب، لماذا ظل الوطني يتعامل مع هذه القضايا الكبيرة بكل هذا الصمت؟
- لسببين، الأول أنه كان هناك قدر كبير جداً من التفهم وهذا يحسب للوطني، فمسألة السلطة ومسئولياتها تحتاج لعون وليس شيئاً يمكن أن يتم تعلمه في يوم، والسبب الثاني هو أن المؤتمر لم يصمت وأثار هذه المسائل في مستويات معينة لكنه لم يجعل منها قضية تدق لها الطبول وتكرر، وكان هذا واجب الإعلام فيما أرى، إما أن تذهب للوطني وتقول له هذا الذي طرحته بهدوء شديد هل هو صحيح أم غير صحيح، لأن واجب الإعلام التقاط هذه الأشياء وعرضها.
* الحركة الشعبية لم تنتظر الإعلام، بل جاءت للإعلام؟
- بصدد القضايا التي رأيت أنها بحاجة إلى توضيح لم أفعل أكثر من أن أقولها في مكانها، وتوقعت أن الإعلام تقييماً منه للصورة الكلية يضع هذه التوضيحات في مكانها، ولكن كما قلت أنت كان هناك من يسعى للإعلام ولا يقدم كلاماً صحيحاً للإعلام وهذا النهج تتبعه الحركة وقوى سياسية أخرى.
* هنالك آليات في حالة الخلاف، والاتفاقية وضعت لذلك آليات، لماذا ظلت هذه الآليات ضعيفة في فض الخلاف في مثل هذه القضايا؟
- بعض هذه الآليات عمل بصورة ممتازة كما أرادت له الاتفاقية مثل اللجنة السياسية لتنفيذ وقف إطلاق النار، والخروقات التي تمت تم الاحتكام فيها للجنة، وهي لجنة كبيرة ولها لجان في مناطق فرعية وتقوم بعملها باستمرار، وخذ مثلاً مفوضية التقويم والتقدير ورغم عدم الحياد فيها إلا أنها أدت دورها كما هو مرسوم له وقدمت تقريرها النصفي وهو أهم واجباتها، ولكن عرضه في الإعلام كان ضعيفاً، وكأني بالإعلام يعلق أهمية أكبر على الأشياء التي يقول أحد الأطراف أنها خرق، لكن الأشياء التي تعبر عن الواقع كما هو حسناً أو قبيحاً بموضوعية لم يكن لها في الإعلام حظ، مثل هذا التقرير، ومجلس الوزراء من المؤسسات التي أقامتها الاتفاقية والمجلس الوطني، ومفوضية مراجعة الدستور، وكلها عملت وبعضها عمل بصورة أفضل من بعض، والسؤال يجب أن يكون رغم هذه المؤسسات لماذا تلجأ الحركة إلى الإعلام وإلى الآخرين، ولو كان الإعلام فقط فلا بأس فهو يمحص دعاواها، ولكن هناك لجوء لخارج السودان، وهذه من السهل فيها اتخاذ عدم الدقة سلاحاً، لأن هناك جهات لا علم لها بما يدور في السودان ومهيأة لأن تصدق حديثاً غير دقيق يأتيها من الحركة لأن خلفيتها أن هذه هي المجموعة التي كانت مضطهدة، والبعيدون لهم دور، ومن الأمثلة أنه قبل توقيع الاتفاقية، كما يثار الآن حديث الإبادة الجماعية في دارفور، وحديث عدم رغبة الوطني والشمال في تنفيذ الاتفاق، في آخر التسعينيات كانت هناك فرية كبرى تسوق بمساهمة مباشرة من الحركة وهي فرية الرق، ووصل الأمر ببعض حسني النية ممن لا يعلمون شيئاً عن السودان أن يصدقوا ويصبح ذلك لهم قضية، والآن نفس الشيء ينطبق ذلك على دارفور، ولا نقول إنه ليست فيها فظائع وحالة سيئة للمواطنين بسبب هذا التمرد وهذه الحرب ولكن أن تجعل من هذا الواقع شيئاً تسميه إبادة عرقية مخطط بها وتنفذ من جهة معينة فهذه ذات عدم الدقة، وأعتقد أن عدم الدقة متعمد أحياناً في اتهام الوطني والحكومة أنها تتلكأ، والحساب ولد كما يقال.
* وفي المقابل صمت الوطني وسيدفع الآن ثمن هذا الصمت، لأن هناك إشكالات حقيقية على الأرض بالذات في المناطق الثلاث التي ينتشر فيها الجيش الشعبي؟
- ليس هنالك من ثمن لم نتفق عليه سيدفعه المؤتمر الوطني، وقد يكون هناك ثمن يدفعه السودان كله بما فيه الوطني إذا لم يستبن الناس جميعاً المسئوليات ويضعوها مواضعها، وهذا سيكون العامل الحاسم فيه هو ماذا نفعل في ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وهذا الموضوع ما لم يكن فيه الوعي اللازم من الطرفين ومن السودانيين جميعاً فإننا قد ندفع ثمناً لم نتفق عليه، وإن كان المقصود بالثمن هو الانفصال فهذا ثمن كان أحد الاحتمالات التي نعلمها.
* الحركة أعلنت أن موقفها الصريح هو مساندة الانفصال، لكن ما زال السيد ياسر عرمان يتحدث عن أن على الوطني تقديم صفقة جديدة عنوانها الرئيس رئاسة دورية وبقاء الجيش الشعبي بجانب القوات المسلحة، هل طلبت منكم الحركة في غرف المفاوضات أي مقابل لقضية الوحدة، أم هذا حديث للإعلام؟
- الصفقة الجديدة، أي المطالبة بترتيب جديد لم ترد من الحركة الشعبية ولا من حكومة الجنوب، ولكن كانت هناك حالات تطوع من بعض قيادات الحركة لا تقال على سبيل الجد، ومنها ما ذكرت عن ياسر، في معرض جهده لمحاولة الحصول على وحدة، أو وعد بالوحدة في المستقبل، وهنالك أشياء موجودة في الاتفاقية، وإذا كانوا يرون أن هنالك أشياء يمكن أن تقال لزيادة فعالية الاتفاقية وهي غير موجودة فيها ويريدون أن يطرحوها على أساس أنها محاولة جادة تجعل من اختيارهم للوحدة أسهل عليهم وتسهل عليهم إقناع الجنوبيين بها، كان يمكن أن يقولوها في العلن، لأن الحديث عن مراجعات للدستور كان متاحاً لهم، وقالوا ما قاله ياسر وكانوا يقولون على سبيل التعجيز: إذا ألغيت الشريعة..
* صراحة؟
- نعم، كان هناك اجتماع في القاهرة وحاول المصريون أن يجمعوا الطرفين لكي يصلوا لشيء، وبالمقابل حتى لو كان هناك مجرد تفكير في مسألة مقايضة الشريعة بالوحدة من جانب المؤتمر الوطني، فمن جانب الإنصاف فقط لكنت قلت أن هذا الأمر حسم في نيفاشا، وفي المقابل يجب أن تتنازل أنت عن حق تقرير المصير، وعندما تطلب مني أن أترك شيئاً وبعدها تذهب أنت للاستفتاء الذي قد يجلب الوحدة، فهذه صفقة لا يقبل بها إلا إنسان لا عقل له، لأنها تغيير للاتفاقية وهم من جانب يتحدثون عن التمسك بالاتفاقية، وحتى في حالة تفكير الوطني في الأمر فإنه سينقض الاتفاقية لأن أحد ركائزها انهارت والركيزة الأخرى قائمة والطرف الآخر لا يتحدث إلا بمجرد وعد، وأقول إن كل هذه الأشياء طرحت في التفاوض من قبل، الرئاسة الدورية وغيرها، ومنذ أن بدأت حقيقة الاتفاقية تتكشف للناس على أرض الواقع بدأ الإخوة في الحركة يرون بعض الجوانب ويطالبون بتغييرها رغم أنها موجودة في الاتفاقية، ومن ذلك قانون بنك السودان، وفي اتفاقية قسمة الثروة هناك ترتيبات معينة للمصرف المركزي وفرعه في الجنوب، وعقب الاتفاقية عقدت اجتماعات في المصرف المركزي لتطبيق الاتفاق، وما فتئت الحركة تقدم مشروع القانون تلو المشروع لتغيير الأوضاع في المصرف المركزي رغم أن الاتفاقية حسمت القضية، وهناك محاولات مراجعة للاتفاقية وهي غير قانونية حاولوا تمريرها بقوانين بالرغم من وجود الاتفاقية، وكل محاولاتهم لم تفلح، لأنها غير جادة فإذا كنا قد اتفقنا على شيء فلا يمكن أن نتفق على شيء آخر يناقضه، فهذا الحديث محاولة للعودة مرة أخرى إلى مسألة الرئاسة الدورية التي كانت مطروحة وعفا عليها الزمن.
* أليس هناك طرح جاد من قبل الحركة، طرح جاد ورسمي قدم في مسألة الوحدة؟
- هنالك محاولة من قطاع الشمال وليس الحركة، وليس القطاع بل محاولة لنفر من قادة الحركة من باب عدم التخلي عن الوحدة أو منحها فرصة في المستقبل.
* هل تفاجأ قطاع الشمال بالانفصال؟
- المفاجأة ربما لا تكون واردة، ولكن أعتقد أن قطاع الشمال في وضع لا يريده، وربما يشعر بعضهم بالإحباط والحزن.
* الوطني يتهمهم بأنهم ساهموا في خلق هذا الوضع؟
- ساهموا في خلق هذا الوضع لأنهم جزء أساسي من الحركة لم يحاول أن يدير الحوار الداخلي داخل الحركة لكي تضع في اعتبارها عندما كانت تتفاوض وفي مراحل التنفيذ أنها ليست حركة جنوبية فقط بل فيها أعضاء شماليون ذوو انتماء، ولم يحاولوا أن يرفعوا ما يجب أن يكون أجندة الحركة كحركة قومية إلى أعلى لائحة اهتماماتها، فلا يلوموا إلا أنفسهم، بل في كثير من الأحيان كان بعض أعضاء قطاع الشمال أطرافاً في تعنت الحركة في بعض المواقف، والوحدة لم تسقط من ذهن الحركة فجأة، بل رويداً رويداً، والقطاع كان موجوداً، وأمر الوحدة بالنسبة للقطاع واضح ويقولون إنهم دخلوا الحركة من أجلها، لكنهم لم يفعلوا شيئاً بل فعلوا الكثير لتكون الوحدة أكثر بعداً في فكر الحركة وأولوياتها، والآن أشرق الصبح.
* قلت لي بأن مسألة تقرير المصير مسألة توافقت عليها كل القوى السياسية، والآن القوى السياسية الشمالية في حالة تلاوم، بل مضت بعض القوى السياسية لتحميلكم المسئولية التاريخية المباشرة عن انفصال الجنوب؟
- دعني أقول قبل أن أناقش هؤلاء في أنهم سبقوا إلى هذا وأنهم قبلوه وأنهم أيدوه بعدما ابرم اتفاق نيفاشا، دعني أقول إنني لا أراه عيباً يجب أن ينفى.
* الانفصال أم حق تقرير المصير؟
- أن أعطي الجنوبيين حقهم في تقرير المصير وأن التزم بهذا العهد حتى ولو كان الجنوبيون يريدون الانفصال لأن هذا ما اتفقنا عليه، وهذه مسئولية يتقبلها الوطني بكل رحابة صدر، وهذا عمل ليس عاراً أو سبة ، وهذا ما توافق عليه السودانيون، وهذا كان السبيل الذي ما كان للحرب بغيره أن تتوقف، وجزء من وطن ظل لخمسين عاماً في حالة تنازع لانتمائه لهذا الوطن ودفعت في سبيل ذلك الأرواح والأموال، وتأخر قطار التنمية، ومكان السودان في القارة الأفريقية ليس هنا، والسبب المباشر هو الحرب التي دامت أكثر من نصف قرن، وعندما قال المؤتمر الوطني إننا نعطي جنوب السودان حق تقرير المصير بما فيه خيار الانفصال كان يعي ما يقول، والآخرون قالوا ولكنهم يمكن أن يقولوا إنهم لم يكونوا يقصدون، وفي المفاوضات كانت هناك مدرسة بعقلية: قل لهم الآن هذا وبعدها سيكون هناك حل، وهذا فيما يتعلق بالعهود التي تقطع على النفس غير مقبول، ومن دخلوا في هذا الأمر إذا كان الآخرون يريدون أن يتنصلوا فهم أهل لأن يتحملوها، والناس في الشمال وصلوا إلى أن هؤلاء إذا كانوا لا يريدون أن يظلوا في سودان واحد فهذا خيارهم، ونحن لدينا خيارات كثيرة، والمشكلة في هذا العويل الذي بات سمة للشهور الماضية، وكثيرون جعلوا هذا الموضوع كأنه جديد، وأنا لا أقلل من ثقل هذا القرار الذي سيتخذ في تاريخ السودان، والغريب أن هذه البكائيات يسهم فيها بعض انفصاليي الشمال، وهذا النواح ليس له ما يبرره، وتوصلنا جميعاً إلى أن الوحدة الطوعية هي أفضل أنواع الوحدة وقلنا هذا لإخوتنا في الجنوب، والآن هم أمام المسئولية التاريخية، مواطنونا في جنوب السودان، والحركة الشعبية هي التي تتحمل المسئولية التاريخية في أن ينفصل الجنوب أو لا، وأنا مؤمن بأن هذه الاتفاقية قدمت ما هو فوق الإنصاف بالنسبة للجنوب إذا أراد أن يظل جزءاً من السودان.
* إلى أي مدى يتحمل المؤتمر الوطني المسئولية التاريخية عن انفصال الجنوب؟
- كما قلت، أعتقد أن المؤتمر الوطني يتحمل مسئوليته في أنه أتاح الفرصة لمواطني الجنوب في أن يختاروا من غير أن تكون هناك بنادق ومدافع إذا كانوا يريدون طوعاً أن يظلوا جزءاً من السودان، ومن حيث المصلحة للجنوب لو كنت في الحركة الشعبية فليس هناك ما يقتضى أن أفكر دقيقتين لأن المصلحة هي أن يستمر السودان واحداً، فالعدل قد أقيم وفرص الإحسان بين الطرفين واسعة في المستقبل، وهناك دور للحركة، وهي استمعت كثيراً لغير السودانيين في هذه المسألة، وهنالك جماعات كثيرة خارج السودان ظلت تدعم الحركة، وهي ترى بقدر من الرومانسية أن المطلوب هو أن يتحرر الجنوب، وهنالك ظلم واضطهاد، وأعتقد أن الأسهل على الحركة أن تقول للجنوبيين ارضوا بما لا تريدون على أن تقول لهؤلاء ليس هذا ما نريده، والانفصال ليس ما يحتاجه الجنوب، والأمر في يد الجنوبيين، وإذا استبصروا هذه المصلحة وأرادوا الوحدة فهذا متاح، وإذا تخلوا عنها ورأوا أنها المصلحة فهذه ليست مسئوليتنا.
* الجنوبيون الذين يؤيدون الوحدة مساكين، فهم من جهة بين وعيد الحقنة إن وقع الانفصال، وهم في الجنوب تحت وعيد الحركة إن لم يمضوا للانفصال؟
- في النهاية هي مسئوليتهم، والشعوب يجب أن تأخذ بيدها مفاتيح مستقبلها إن كانت تريد أن يكون لها مستقبل، وفيما يتعلق بما أشرت إليه من تهديد فلا أعتقد أن هناك تهديداً، بل هناك موقف معلن بشأن الجنسية من جانب الوطني، لكنه لا يعني العدوان على حقوق وممتلكات الجنوبيين في الشمال وهو ما يسوق له بعض دعاة الانفصال في الشمال، وهذا لا يصح وقبل أن يكون تهديداً لهؤلاء هو تهديد لفكرنا، والشماليون عندما يتحدثون عن وضوح الحقوق بعد الانفصال بشأن الجنسية من غير أن يضار أحد فهذا شيء، أما التعامل بالحسنى فهذا شيء آخر، وعندما جاء كاربينو وجنوده في التسعينيات وكانوا في حالة يرثى لها فخلع بعض الشماليين ملابسهم ومنحوها إياهم، ومسألة مساكين هذه لا تحسب على المؤتمر الوطني، وعندما كانت الحرب مستعرة أتى إليه هؤلاء الإخوة وأمنوا فيه من الحرب، وعندما وقفت الحرب كان يفترض بحكومة الجنوب أن تسعي لإعادتهم لمواطنهم.
نقلاً عن صحيفة الصحافة 2/1/2011م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.